"عمّان للكتاب": أنماط القراءة ومزارات العائلة

04 أكتوبر 2016
من المعرض (العربي الجديد)
+ الخط -

مع تبنيه شعار "كلّنا يقرأ"، يواجه "معرض عمّان الدولي للكِتاب"، الذي أفتتح الأربعاء الماضي ويُختتم في الثامن من الشهر الجاري، تحدياً حول إمكانية توفير كتاب لجميع الشرائح والاهتمامات بسعر يتناسب مع أحوال القرّاء الاقتصادية، خاصةً إذا سلّمنا بأن الصغار باتوا فئة مستهدفة لأغلب دور النشر، والمنظّمين الذين يلجؤون إلى إقامة فعاليات مسرحية وموسيقية تخاطبهم.

على وقْع موسيقى العروض المسرحية المقدّمة للطفل يومياً على أرض المعرض، وبحضور أغلبية الزوار عائلات بصحبة أبنائها تبدو صورة معرض الكِتاب في تحوّل مستمر، وإن كان يصطدم بمعطيات عديدة، منها شبه غياب كتب وقصص الأطفال باللغة العربية يمكنها منافسة الكتاب الأجنبي، بالإنكليزية تحديداً، كما أن مفهوم دمج التسلية بالتعلّم يدفع دور نشر عربية إلى تقليد المنتج الغربي، في عجز عن ابتكار مثيل له ينبع من ثقافتنا العربية.

"ليس هناك روايات عربية للفتيان (14-18)، ولذلك يفضّل أولادنا القراءة باللغات الأجنبية التي يتقنونها"، هكذا تصف إحدى زائرات المعرض في حديثها لـ "العربي الجديد" معاناتها التي تظهر مركبةً، إذ يفاجئها إقبال ابنها على القراءة بلغة أخرى غير لغته الأم، ولكنها أيضاً لا تسأل نفسها عن أسباب عدم إقبالها هي على الكتاب.

أسئلة عديدة ستغيّر أنماط القراءة في منطقتنا بشكل عام، ولن تتضح إجاباتها إلاّ في الآتي من الأيّام، وربما يجاورها الحديث عن نسبة مشاركة الكتاب الديني في الدورة السادسة عشرة من المعرض، فرغم أحاديث مثقفين عن تراجعه إلاّ أن جولة واحدة كفيلة باستنتاج ما يخالف هذا الرأي، فلا تزال دور النشر التي توزّعه تفوق ربع عدد الدور المشاركة مجتمعةً.

هل لا تزال مبيعات العناوين التي ينشرها الدعاة -خطاب غالبيتهم متطرّف وسطحي- في السنوات الأخيرة هي الأكثر رواجاً؟ بالطبع لن نعثر على جواب محدد، فالناشرون الذي يتخصّصون في توزيعه يصرّون على شعبية منتجهم، وقد يكون هذا جزءاً من الدعاية نفسها.

في المقابل، يُلاحظ تزايد الاهتمام بكتب نقد الخطاب الديني أو تلك التي تعرض لمقولات باحثين مختلفة عن الإسلام "السائد"، غير أن هذه المؤّلفات تصدر عن دور نشر تختصّ بالفكر والفلسفة، وقد تطالها يد المنع في معرض عمّان وفي غيره.

لا تصريحات معلنة حول الرقابة على الكتب، لكن عدداً من دور النشر العربية أفادت في حديثها لـ "العربي الجديد" عن إرسالها قوائم بعناوين إصدارتها التي ستشارك في المعرض إلى الجهات المنظّمة، وأن الردّ كان يأتي باستثناء بعض العناوين، ومن بينها كتبٌ لا مبرر لمنعها، اليوم، مثلما طُلب من دار نشر مشاركة عدم إحضار بعض مؤلفات الكاتب التركي الراحل عزيز نيسين، أو مجموعات الشاعر أحمد مطر.

حظْر الكتب، بغض النظر عن أعدادها، هو إجراء اعتيادي في "معرض عمّان للكتاب"، ولا يشذ عن هذه القاعدة قول مديره الناشر فتحي البس لوسائل إعلام سابقاً بأن "الكتب التي تتجاوز على القانون الأردني لن تدخل المعرض"، بل زاد بانها ستتعرّض لـ "مصادرة وإجراءات عقابية".

الجهة المخوّلة بالرقابة على الكتب هي "دائرة المطبوعات والنشر"، ويعلم المتابعون أن العناوين الممنوعة في ازدياد في الاردن خلال العقد الأخير، وأن جهات الرقابة الشعبية والرسمية تتزايد لعدم التصدي للتدخلات الدائمة من قبل جهات غير معنية، فـ"دائرة المكتية الوطنية" التي يُناط إليها مهمة تسجيل الإصدارات الجديدة لغاية التصنيف وحماية الملكية الفكرية فقط، بات من المألوف لدى إدارتها أن تحيل مخطوطات إلى وزارة الأوقاف أو "دائرة الإفتاء".

بعيداً عن عين الرقيب وتدخّلاته، يُحسب للقائمين على الدورة الحالية، تطوّر آليات التنظيم مقارنة بدورات سابقة، سواء في توزيع الأجنحة وتنظيم الاستقبال وكذلك برنامج الفعاليات، وإن جرى التأخّر في إعلانه، إلاً أن الندوات والأمسيات وحفلات التوقيع تُقام في مواعيدها المقرّرة وبلا اعتذارات عن غياب ضيوف ومتحدّثين فيها، وهو يعدّ إنجازاً عند مراجعة الإرباكات والأخطاء القاتلة في التحضير والإعداد خلال أعوام ماضية.

حسن التنظيم قد يكون مردّه الأساسي هو إدخال وزارة الثقافة الأردنية لاعباً رئيسياً فيه وكذلك "أمانة عمّان الكبرى"، وهو ما يبعث على التندر حول فعالية البيرقراطية الأردنية قياساً بضعف أداء الاتحادات النقابية، ومنها "اتحاد الناشرين الأردنيين"، بوصفه المنظّم الأساسي في السنوات المنصرمة.

وحضرت الإشادات، كذلك، على اختيار المؤرخ الأردني رؤوف ابو جابر شخصية ثقافية لهذا العام، إذ حظيت محاضرته السبت الماضي بالتفات الجمهور، وهو المتخصّص في تاريخ المسيحيين في شرق الأردن وبلاد الشام، فأغنى الحاضرين بسعة اطلاعه ورؤيته في إسقاط أحداث عديدة من الماضي تُظهر وحدة المنطقة وشعبها على اختلاف أديانه ومذاهبه.

العرف الجديد في هذه الدورة كان في اعتماد ضيف شرف، حيث جرى اختيار دولة فلسطين كأول ضيف في تاريخ المعرض، الذي تأسس عام 1995، وتجد الإشارة هنا إلى أن الانتقادات -معظّمها محقة- حول مشاركة الوفد الفلسطني، لم تصمد أمام الاحتفاء الثقافي به، رسمياً ولدى كتّاب أردنيين وعرب، أنصتوا جيداً لدعوات وزير الثقافة الفلسطيني إيهاب بسيسو لزيارة رام الله.

خطاب بسيسو جاء تأكيداً على ضرورة قدوم المثقف العربي إلى أرض فلسطين المحتلة من أجل التضامن مع أهلها والتفاعل معهم أملاً في أن يسّجل ويوّثق يومياته في حقول الإبداع والفكر؛ حماسٌ يُناقض ما جرى تقديمه في جناح فلسطين في المعرض، نوعاً وكماً، ما دفع بعض الكتّاب إلى الغمز برداءة وضعف إنتاج مؤسسات الثقافة الرسمية في السلطة الفلسطينية، ووصف جناحها أشبه بـ"مضافة" تصلح للثرثرة وإبداء المجاملات أكثر من أي شيء آخر، كما انتقد آخرون طبيعة اختيار أسماء الوفد الفلسطيني سواء من الداخل او الخارج.

تظلّ هناك حقيقة راسخة تتعلّق بتركيز جميع معارض الكتب العربية، ومنها عمّان، على عدد دور النشر المشاركة أو أرقام الزوّار باعتبار ان المعرض هو "نافذة بيع" كبرى نسبياً، بينما تغيب الغاية الرئيسية التي تقام لأجلها معظم معارض الكتاب عالمياً، وتتلّخص في كونها ملتقى لصنّاع الكتاب من مختلف الثقافات واللغات من أجل إبرام اتفاقيات ترجمة، بالدرجة الأولى في ما بينهم، ما تبرزه إحصائيات الكتب المترجمة في أوروبا وبلدان كثيرة في أسيا وأميركا اللاتينية كذلك.

يُذكر أن "معرض عمّان الدولي للكتاب" قد استضاف 350 دار نشر عربية وأجنبية من 15 بلداً؛ وهي: الإمارات، والجزائر، والسعودية، والكويت، والمغرب، ومصر، وعُمان، وسورية، وفلسطين، ولبنان، والهند، والولايات المتحدة، والصين وبريطانيا، والأردن.


المساهمون