كامران حيدري.. أصوات الحالمين في شيراز

23 ديسمبر 2015
(حيدري أثناء تصوير "دينغو ماري"، 2013)
+ الخط -

في عام 1900، تعرفت إيران للمرة الأولى على صناعة الأفلام الوثائقية، كان ذلك بفضل ميرزا إبراهيم خان؛ المصوّر الملكي لمظفر الدين شاه الذي حكم البلاد في عهد القاجاريين.

عاد خان من باريس وبلجيكا ليوثق لحظات مهمة في حياة الشاه الإيراني، ومن بعده تمّت صناعة أول تقارير خبرية في عهد رضا شاه البهلوي، والذي اهتم كما ابنه محمد رضا شاه من بعده، منذ أربعينيات القرن الماضي، بإرسال بعثات إلى الخارج بهدف الحصول على التجربة والخبرات المختلفة وإحضارها إلى البلاد، وكانت إحدى الثمرات هي سينما الأفلام الوثائقية على أنواعها، والتي ركّزت في غالبيتها على جوانب سياسية؛ ما برز خلال السنوات الأولى التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية في إيران (1979).

بمرور الوقت، باتت الأفلام التسجيلية التي توثّق الحياة الاجتماعية في الصدارة، وحظيت باهتمام المخرجين الشباب الذين يعلمون أن الأفلام الوثائقية الإيرانية، وإن نال بعضها شهرة وجوائز عالمية، إلا أنها ما زالت تحتاج بعض الوقت والكثير من الاهتمام لتحصل على مرتبة الأفلام السينمائية الإيرانية التي اعترف بها عالمياً، وأصبح لها صيتها وشهرتها.

كامران حيدري هو أحد هؤلاء المخرجين الشباب، ولد في شيراز الواقعة جنوباً عام 1977. بعد حصوله على الدبلوم، درّس إخراج الأفلام الوثائقية في أحد المعاهد الإيرانية الخاصة لخمسة أعوام، وهو متخصّص في تصوير أفلام توثّق حياة الإيرانيين الذين يعيشون في جنوب البلاد.

يقول حيدري لـ "العربي الجديد" إنه يصنع أفلاماً وثائقية منذ اثني عشر عاماً، وكل فيلم من أفلامه يأخذ وقتاً، يصل إلى عامين أحياناً، لكي ينهيه ويصبح على الصورة التي يبتغيها، لكنه حقّق نجاحاً لم يتوقعه هو نفسه في فيلمين اثنين، هما "نغهدار جمالي" و"دينغو ماري"، اللذان عُرِضا في مهرجانات عدة حول العالم، ونالا استحسان الداخل أيضاً.

يبدو من هذين الفيلمين أن حيدري بات مولعاً بتوثيق حياة أشخاص بسطاء، لكنهم حالمون طموحون. يطيل شرح قصة فيلمه "نغهدار جمالي"، فيبدو أنه كان مهتماً بكل تفصيل بسيط في حياة هذا الرجل الذي يحمل عنوان الفيلم اسمه.

العمل هو أول فيلم طويل يخرجه حيدري، وعُرض عام 2012، وأثار جمالي إعجاب هذا المخرج الشاب عندما التقاه أول مرة في شيراز، وعرّفه إلى نفسه بالقول "أنا جمالي، أصنع أفلام وسترن" وهي أفلام الغرب الأميركي التي تتناول حياة رعاة البقر وسكّان أميركا الأصليين "الهنود الحمر".

لم يكن جمالي مخرجاً ولا ممثلاً، بل هو شخص بسيط تجاوز الأربعين من العمر ويعمل بائعاً جوالاً، لكنه يهوى هذا النوع من الأفلام. وفي فيلم حيدري، نعيش مع جمالي قصة الحلم الذي توّجه على طريقته؛ حيث كان يجمع مبلغاً بسيطاً ليصوّر أفلام رعاة البقر التي يحلم بها على طريقته الخاصة، ووصل نتاجه إلى خمسين فيلماً متواضعاً.

لكنه يروي أن جمالي لم يستطع أصلاً أن يعرض أي فيلم، كما لم يقدر على تجربة التمثيل حتى في دور ثانوي. قرّر حيدري أن يعطي جمالي الفرصة في هذا الفيلم الذي يوثق طريقة عيشه ويروي حلمه للمشاهدين، فجعله ممثلاً ومخرجاً في آن؛ إذ يحكي في الفيلم قصة حياته الشخصية التي سعى خلالها إلى أن يكون مخرج أفلام الغرب الأميركي.

أما الفيلم الثاني، الذي يذكره حيدري، فهو "دينغو ماري" الذي أنتجه عام 2014. يوثّق هذا العمل قصة عازف بسيط يعزف في شوارع الجنوب الإيراني، لكنه يقدّم موسيقى مختلفة، وهي موسيقى إيرانية تقليدية اختلطت بألحان أفريقية، حضرت مع مهاجرين من أفريقيا إلى جنوب إيران قبل قرون.

ويقدّم في فيلمه التسجيلي قصّة هذه الموسيقى المختلفة، والتي أصبحت تسمّى اصطلاحاً بـ موسيقى الجنوب. عرض هذا الشريط في مهرجانات الأفلام التسجيلية في إيران وألمانيا وفرنسا والإمارات وكندا، كما استمر عرضه على مدى أشهر في أميركا.

يشير حيدري، الذي كان يهوى تصوير الوجوه في الشوارع، إلى أنه يفضّل أن تركّز أفلامه على حياة أشخاص بسطاء راغبين في تحقيق حلم ما. وفي سؤالنا عمّا إذا كانت أفلامه التي صنعها حتى الآن قد حققّت الحلم الذي يرجوه، قال إن تقييم الأفلام التسجيلية أمر يحدّده المشاهد، لكن ما زال هناك الكثير من القصص للعمل عليها والسعي إلى التميُّز من خلالها، حسب تعبيره.

وفي تقييمه لتجربة الوثائقيات الإيرانية، يرى حيدري أنه ما زال هناك مسافة لتحقيق المطلوب، مبيناً أن الأفلام الوثائقية تُصنع عادة للنخبة والفنانين، ولها جمهور خاص؛ وهذا ليس إيجابياً حسب رأيه، فالمطلوب هو المزيد من الاهتمام والتركيز على مواضيع تشدّ المشاهد ليصبح جاهزاً للذهاب إلى دور السينما لمشاهدة فيلم وثائقي.

منذ عام تقريباً، بدأ عرض أفلام وثائقية في دور سينما إيرانية في أوقات ليست ضمن مهرجانات أو معارض خاصة، وهذا أمر جيد حسب قوله، لكنه ذكّر أن الميزانيات والتمويل أمور مهمة لكل مخرج وثائقي، والتكاليف العالية هي ما تجعل الإنتاج أضعف من المطلوب، لافتاً إلى أنه على المعنيين الاهتمام بالأمر أكثر.


"محمد رسول الله": جدل الفقهاء والسينما

المساهمون