هكذا بات "مركز لوركا" في غرناطة اليوم المصدر الرئيسي لكل من يريد العودة إلى مخطوطات ومقتنيات صاحب "شاعر في نيويورك"، من باحثين ومؤرخين ومحبّين لأعمال لوركا، وربما يجدون في المخطوطات والخربشات التي توفّرها المجموعة ما لا يجدونه في كتبه المطبوعة التي تطمس معالم بناء الأعمال الفنية.
منذ سنوات، وإضافة إلى خدمات عدة تقدّمها المؤسسة حول أدب لوركا، أصبح تجميع مخطوطات الشاعر الإسباني رهاناً حقيقياً وظفت فيه وسائل الإعلام والباحثين والجمهور، بل يمكن القول إن تجميع أرشيف لوركا أصبح في وقت من الأوقات قضية مدينة، وليس مؤسسة بعينها. وهذا الجانب لعله من أبرز مهمات المؤسسات الثقافية على المستوى التواصلي، ويذكر أن "مركز لوركا" قد أثار في مناسبات عديدة مسألة أهمية تجميع الأرشيف في مكان واحد، وصعوبة تحقيق ذلك، خصوصاً إقناع مؤسسات أخرى بالتخلي عن ما تملكه، وأبرز ذلك ما أثير عن تشبّث مدينة مدريد بما تملكه من أرشيف الشاعر الغرناطي، حيث تعتبر أن لوركا أحد رموزها الثقافية، وأنه شخصية تجمع الإسبان.
هكذا، ومن وراء الجانب الأدبي والتاريخي للمسألة، نفهم أن هناك أبعاداً أخرى لمسألة تجميع أوراق ومقتنيات لوركا، فمدينة غرناطة تعتبر أن إعادة كامل أرشيف صاحب "بيت برناردا ألبا" يساهم في صناعة خصوصية للمدينة، ويزيد من إشعاعها.
الجزء الأكبر من المجموعة الأرشيفية يتمثل في مخطوطات قصائده ومسرحياته، وعلى أهميّتها فإنها لا تمثل أبرز ما في المجموعة، باعتبار أنها نشرت ويعرف الجمهور محتوياتها إلى حد كبير. الأكثر أهمية بالنسبة للدارسين يظل مجموعة الرسائل التي تبادلها سواء مع أصدقائه، ومنهم شعراء وفنانون تشكيليون، وهو ما يضيء جوانب من العلاقات بين المثقفين في المنتصف الأول من القرن العشرين في إسبانيا.
كل ذلك، يُنتظر أن يشكل صورة أكمل لمشوار صاحب عبارة "إذا متُّ دعوا الشرفة مفتوحة"، كما قد يكون أرشيف لوركا مجمّعاً في غرناطة بالذات عاملاً يساعد في فهم علاقة الشاعر بالمكان الذي ولد ومات فيه- وإن كان قد تنقّل كثيراً في حياته، وعلاقته بالأندلس، كفضاء ذي زخم ثقافي وتاريخي.