طبق السماقية الاجتماعي في غزة

غزة

يامن سلمان

avata
يامن سلمان
16 ابريل 2019
4256F9AD-61A7-46E2-89D1-4E38F7D1CD6E
+ الخط -

لا تخلو أجواء الأعراس في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر من طبق السماقية، فالبعض ينتظر مثل هذه المناسبات، ليتناول الطبق الذي تعده السيدات مجتمعات

في قطاع غزة، تجتمع أكثر من عشر سيدات من العائلة الواحدة على رأسهن سيدة مسنة لإعداد طبق السماقية الذي يزيّن موائد الأعراس والاحتفالات الكبيرة، وذلك بحسب الطريقة القديمة الذي تعود إلى عدة قرون سابقة. السماقية أشهر الأكلات الغزية، وقد ذُكرت في كتاب الشيخ محمد بن الحسن البغدادي "الطبيخ" عام 1225 للميلاد، ويعود سبب تسميتها بهذا الاسم لاستخدام السماق في إعدادها كأبرز مكوناتها. ويتألف الطبق من السماق البلدي الأحمر، بالإضافة إلى البصل، والسِلق الأخضر الطازج، والثوم، والطحينة من السمسم الأبيض النقي، والفلفل الأخضر، والشطة الحمراء المجففة، والحمص الحَبّ، وعشبة عين الجرادة المجففة، الى جانب زيت زيتون الصافي، والدقيق الأبيض، وقطع من لحم الغنم (الضاني) ليجمع الطعم ما بين الحلو والحرّيف.



تذكر المسنّة سعدية عويني (85 عاماً) أنّ السماقية كانت تُقدّم في أيام العزاء وبعض العائلات تقدمها في الأفراح، أما حالياً فيجرى تقديم طبقها في سهرات الشباب وفي أول أيام عيدي الفطر والأضحى لدى الأسر التي لا تريد تقديم أضحية العيد، ليكون الطبق الرئيس في كثير من البيوت الغزية، ويسمى أيضاً طبق الأفراح. تقول عويني لـ"العربي الجديد": "الأكلات الفلسطينية الشهيرة مثل ورق العنب والمقلوبة والمسخن والقدرة معروفة بأنّها أكلات اجتماعية إلى حدّ ما، إذ تجتمع فيها العائلة كلّها على سفرة واحدة، لكن يتميز المطبخ الغزي بمأكولات لن يجدها الناس إلّا في غزة، ولا أحد يعرفها سوى سكانها، من دون بقية سكان المدن الفلسطينية، وهي أطباق لا تؤكل إلّا في جماعة كبيرة مثل السماقية".



داخل حي الشجاعية، يعتبر السماقية الطبق الذي يجتمع حوله سكان الحيّ في المناسبات السعيدة كالأعراس والأعياد، ومع زيارة "العربي الجديد" إلى الحيّ، كانت أسرة الصواف قد جمعت غالبية نساء العائلة، ومنهن المسنات، لإعداد الطبق، واكتملت أجواء تحضيره الذي يستغرق 24 ساعة كاملة. تجتمع النساء أمام أواني الألومنيوم الكبيرة ويبدأن في تقطيع السِلق الأخضر والبصل والثوم والفلفل الأخضر واللحوم، فتكون المرحلة الأولى. تقول الحاجة أم صلاح الصواف إنّ السماقية تحتاج إلى ساعات طويلة في العمل، ولا يمكن لخمس سيدات حتى إعدادها، بل تحتاج إلى ما بين 10 و15 سيدة، لإطعام مئات الضيوف. توضح أم صلاح (50 عاماً) أنّ المطلوب بعد تقطيع المواد الأولية وضع قدر كبير من الماء مع إضافة زيت الزيتون ثم البصل المقطّع وتقليبه إلى أن يذبل، فتضاف قطع اللحم ويستمر التقليب إلى أن يتغير لون اللحم إلى البياض، ثم يوضع الحمص المنقوع ويقلّب جيداً مع إضافة الملح. يترك القدر على النار مدة ربع ساعة ثم يضاف السلق المفروم بالتدريج، ويُترَك مجدداً.



تقول أم صلاح لـ"لعربي الجديد": "نراعي التحريك الخفيف مع إضافة الماء كلما احتاج الأمر إلى أن ينضج اللحم والحمص والسِلق بالكامل، ثم نضيف السماق الأحمر الذي يكون مخلوطًا بالدقيق والثوم والشطة الحارة مع الماء ليعطي اللون، ونتركه على النار حتى يغلي". تتابع أنّهن يضفن مرق الدجاج والثوم المهروس مع الفلفل الأخضر ويحركن المواد، ثم يضعن الطحينة التي تعطي نكهة وطعماً لذيذين، وهذه العملية بالكامل تحتاج إلى قرابة ست ساعات على النار، إلى أن تجمد المكونات وتُسكب في صحون.

الصور بعدسة: محمد الحجار 












من جهتها، تقول المسنة زينب أبو حمام (73 عاماً) إنّ السماقية طبق غزي أصيل، تعلمته العائلات اللاجئة إلى غزة عام 1948، وبات الطبق يعدّ بطرق مختلفة. ونظراً لكونه طبق الأفراح أصبحت بعض العائلات تضع بصمتها فيه بزيادة طعمه الحار، عبر الفلفل، أو بوضع صدر الدجاج بدلاً من اللحم الضاني، فيما آخرون يعتمدون على زيادة بعض المواد دون الأخرى.




تتابع أبو حمام لـ"العربي الجديد": "لا بدّ من أن ترث الأجيال المقبلة هذا الطبق. من جهتي أورثته لبناتي ثم حفيداتي، خصوصاً أنّه طبق مفرح وجميل ولذيذ. لكن، لا يمكن إعداده من دون حضور المسنات اللواتي يتركن بصمتهن فيه. وكما نقول عن الزيت والزعتر والزيتون كرموز لفلسطين، فالسماقية طبق غزة وجزء من تراث فلسطين بأكملها". تضيف أبو حمام: "يعيد فينا طبق السماقية ذكريات كثيرة قديمة، فهو الطبق الوحيد الذي نتجمع حوله في ظل تداخل الكثير من الأطعمة والمأكولات السريعة، وهو الطبق الذي يدفعنا إلى ترداد الأمثال الفلسطينية الشعبية القديمة وبعض الأغاني، خلال إعداده، ومنها أغنية أم العريس: رجع البطل وعلينا هيو طلّ... روحي ليلي عيني يا ليلي".

ذات صلة

الصورة
دخان ودمار في تل الهوى في مدينة غزة جراء العدوان الإسرائيلي، 10 يوليو 2024 (الأناضول)

سياسة

تراجعت قوات الاحتلال الإسرائيلي من منطقتي الصناعة والجامعات، غربي مدينة غزة، اليوم الجمعة، بعد خمسة أيام من عمليتها العسكرية المكثفة في المنطقة.
الصورة
انتشال جثث ضحايا من مبنى منهار بغزة، مايو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

قدّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وجود أكثر من 10 آلاف فلسطيني في عداد المفقودين تحت الأنقاض في قطاع غزة ولا سبيل للعثور عليهم بفعل تعذر انتشالهم..
الصورة
قوات الاحتلال خلال اقتحامها مخيم جنين في الضفة الغربية، 22 مايو 2024(عصام ريماوي/الأناضول)

سياسة

أطلق مستوطنون إسرائيليون الرصاص الحي باتجاه منازل الفلسطينيين وهاجموا خيامهم في بلدة دورا وقرية بيرين في الخليل، جنوبي الضفة الغربية.
الصورة
مكب نفايات النصيرات، في 21 مايو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

يشكّل مكبّ نفايات النصيرات في قطاع غزة قنبلة بيئية وصحية تُهدّد بإزهاق الأرواح وانتشار العديد من الأمراض والأوبئة، وسط أوضاع إنسانية مأساوية..
المساهمون