"الحريك" لم يكتمل في المغرب

18 ديسمبر 2018
لا يتوقفون عن المحاولة (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -


في السنوات الأخيرة، تنامت الهجرة السرية في المغرب، المعروفة بـ"الحريك" وازدادت الأخبار الرسمية عن ضبط السلطات الأمنية مهاجرين أثناء محاولة العبور إلى الضفة الإسبانية ممتطين قوارب عادية أو حتى زوارق سريعة، وتفكيكها عصابات تهريب بشر.

يغامر العديد من الشباب المغاربة، ومعهم أيضاً مهاجرون من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، بالارتماء في أحضان البحر، على متن قوارب خفيفة وبأعداد كبيرة، في اتجاههم نحو "الفردوس الأوروبي" كما يسمّونه، عبر بوابة إسبانيا، من أجل البحث عن مستقبل أفضل مما يعيشونه في بلادهم كما يقولون.

توضح أرقام صادرة عن إدارة الهجرة، في وزارة الداخلية المغربية، أنّ عدد محاولات الهجرة غير الشرعية انطلاقاً من المغرب التي جرى إفشالها ارتفعت من 32 ألفاً كمعدل سنوي بين عامي 2003 و2015، إلى نحو 65 ألف محاولة منذ عام 2016. وتفيد إحصائيات رسمية حديثة بأنّ السلطات المغربية أفشلت منذ بداية العام الجاري أكثر من 76 ألف محاولة للهجرة غير الشرعية، وفككت 174 شبكة إجرامية تنشط في مجال تهريب الشباب الراغبين في الهجرة السرية نحو الأراضي الإسبانية عبر عدد من السواحل المغربية.

عبد المولى، شاب في بداية الثلاثينيات، من مدينة بني ملال، يحكي لـ"العربي الجديد" قصته مع محاولات الهجرة السرية المحبطة أكثر من مرة، طمعاً في أن تطأ قدماه أرض إسبانيا، ومنها التوجه إلى إيطاليا لملاقاة عدد من أبناء حيه الذين شجعوه على الالتحاق بهم هناك، كما يغرونه برغد العيش الذي يزعمون أنّهم يعيشون فيه. يقول: "أول محاولة لي في الحريك كانت سنة 2012 عندما حاولت التسلل إلى شاحنة كبيرة للسلع بميناء مدينة طنجة في الشمال كانت متوجهة إلى إسبانيا، وكنت أحاول الاختباء داخلها، فانتبه الحراس لمحاولتي وطردوني من هناك، قبل أن أعاود الكرّة مرات أخرى".




يتابع الشاب الذي ما زال مُصراً على "الحريك" نحو الديار الأوروبية: "كررت المحاولة بتغيير طريقة الاختباء، إذ تسللت إلى مكان داخل شحنة البضائع بالنظر إلى نحافتي، لكنّ السائق أوقفني بعدما فطن لي. عندها، بدأت أفكر في الحريك عن طريق البحر". يشرح: "منذ ثلاث سنوات أحاول الهجرة عبر قوارب الموت كما تسمى، لكنّ الفرص لم تكن تتاح أمامي إلاّ في أربع مرات كلّها انتهى إلى الفشل. وفي إحدى المرات تعرضت للنصب بعدما دفعت مبلغاً من المال استلفته من أحد أفراد العائلة، لمن ادعى أنه سيسهل هجرتنا في قاربه، ومنها محاولات ضبطتنا فيها البحرية". ويعزو عبد المولى تكرار هذه المحاولات، إلى أنّ فرص العمل في مدينته بني ملال منعدمة. ظنّ عندما حصل على البكالوريا (الثانوية العامة) أنّه سيجد وظيفة، فاكتشف أنّ الحاصلين على شهادات الدكتوراه حتى لم يجدوا عملاً كريماً، فتعلق عقله وقلبه بالهجرة إلى أوروبا لعلّه يظفر بما لم يظفر به في مدينته، كما يقول.

أكرم، شاب مغربي آخر جرب الهجرة السرية إلى أوروبا، لكنّه فشل في المكوث هناك، فقد تجاوز العراقيل التي وقفت أمام عبد المولى، واستطاع أن يصل إلى الجنوب الإسباني قبل أربع سنوات عن طريق أحد القوارب، لكن بالكاد وطئت قدماه هناك حتى جرى ترحيله بعد أسابيع إلى أرض الوطن. يحكي أكرم (18 عاماً) لـ"العربي الجديد" قصته باختصار، إذ يقول إنّه كان أسعد الناس عندما نجحت محاولته في اجتياز أهوال البحر الذي يفصل بين المغرب وإسبانيا بنحو 15 كيلومتراً انطلاقاً من سواحل الشمال. يضيف أنّه اعتقد أنّه نجا وحقق حلمه، وحاول تدبير أموره فور وصوله، ليفاجأ برجال الأمن الإسباني يفطنون للغاية من رحلته رفقة شباب آخرين، فتقرر ترحيله إلى البلاد بعد زهاء شهرين. ويوضح أكرم أنّ السلطات الإسبانية لم تجد معه أيّ أوراق ثبوتية كون "الحراكة (المهاجرين)" يحرقون وثائقهم قبل الوصول إلى وجهتهم، حتى لا يجري ترحيلهم بسرعة، لكنّ الإسبان اتصلوا بشكل مكثف بالقنصلية والسفارة المغربيتين، قبل أن يتقرر توقيعه على التزام بعدم تكرار المحاولة، وترحيله بعد 7 أسابيع من ضبطه.

وقّع المغرب وإسبانيا اتفاقية عام 1992 يسمح بموجبها للسلطات الإسبانية بترحيل المهاجرين غير النظاميين المغاربة إلى بلدهم بوتيرة لا تتجاوز 25 شخصاً في اليوم الواحد، احتراماً للظروف الإنسانية والقانونية في عملية الترحيل، كما يلتزم المهاجر السري بمغادرة إسبانيا في فترة شهر واحد، وفي حال الإخلال بهذا الشرط يسجن.




يوضح الباحث القانوني والناشط الحقوقي، عبد الإله الخضري، أنّ تعاطي السلطات المغربية مع المهاجرين المغاربة، بعد فشل محاولاتهم أو بعد ترحيلهم من جانب السلطات الإسبانية وغيرها، يشمل حالتين من الناحية القانونية، الأولى وقوع عملية الهجرة، إذ حينها يتحقق الركن المعنوي والقصد الجنائي، المتعلق بالمغادرة الفعلية للتراب الوطني بصفة غير سرية، وهذا المعطى، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" يصطدم مع المشكلة القانونية الأساسية، المتعلقة بهجرة القاصرين، لأنهم يعتبرون ضحية الواقع المجتمعي الذي يعيشون في كنفه. أما الحالة الثانية فتتعلق بضبط مخططين للهجرة السرية، لكنهم لم يغادروا التراب الوطني. يتابع الخضري، الذي يشغل منصب مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، أنّه في هذه الحالة لا تترتب أيّ عقوبات، ما دام الأمر يبقى في إطار النوايا، لكن من الناحية الميدانية، غالباً ما يفرج عن هؤلاء فوراً أو بعد أيام قليلة من الاحتجاز والتفتيش والتحقيق الأولي. وبالنسبة إلى المرحّلين، يضيف أنّه يجري البحث في سجلاتهم الأمنية، وإذا ما ثبت أنّهم غير مبحوث عنهم، يطلق سراحهم، لكنّ الأمر يختلف مع من يثبت تورطهم في إدارة عمليات الهجرة السرية، فهؤلاء توجه إليهم اتهامات جنائية من قبيل الاتجار بالبشر.
المساهمون