يربط أهل الاختصاص ارتفاع الإصابات بمرض السكّري حول العالم بتغيّر نمط عيش الناس، ولا سيّما لجهة الخمول وإهمال النشاطات البدنية وكذلك اللجوء إلى الأغذية غير الصحّية. من جهته، لا يختلف الأردن عن بلدان كثيرة
في الأعوام الأخيرة، راح مرض السكري ينتشر بين الأردنيين بنسب أكبر ممّا كان عليه الأمر في السابق، وخصوصاً مع تغيّر أسلوب حياتهم. ومع تراجع النشاط البدني نتيجة تغيّر أسلوب العيش، تخطّى عدد الأشخاص المصابين بالسمنة في الأردن نصف السكان، بينما ارتفع كثيراً عدد المصابين بالسكري من النوع الثاني، والمصابين بالسكري الكامن (المهددين بالمرض) ليقترب من نصف عدد السكان.
ومرض السكري الذي يُعَدّ واحداً من أبرز أمراض العصر، يؤثّر على نوعية حياة المرء لا فقط على صحته البدنية، في حال لم ينجح المصابون به بالسيطرة على مستوياته. توضح رئيسة الجمعية الأردنية للعناية بالسكري في عمّان، الدكتورة نديمة شقم لـ"العربي الجديد"، أنّ "نسبة المصابين بمرض السكري من النوع الثاني وكذلك بالسكري الكامن، تصل إلى نحو 45 في المائة من الأردنيين فوق 25 عاماً، بينما تصل نسبة الذين شُخّص المرض لديهم إلى 23 في المائة أي ما يعادل مليونَي شخص مصابين بالسكري". تضيف أنّ "نسبة السكّري بين الأردنيين تصل إلى نحو 60 في المائة، بينما تزداد نسبة الإصابة بالكوليسترول السيّئ عن 70 في المائة، بحسب بيانات دراسة أعدّها المركز الوطني للسكّري والغدد الصمّاء والأمراض الوراثية أخيراً".
وتلفت شقم إلى أنّ "الدراسة الأخيرة التي أعدّتها وزارة الصحّة الأردنية حول مرض السكري تعود إلى عشرة أعوام، وهو ما يفسّر الاختلاف في الأرقام بين جهة وأخرى"، داعية إلى "إنشاء سجلّ وطني لمرضى السكري". وتتحدّث شقم عن "عدم توفّر إحصائية دقيقة حول عدد المصابين بالسكري من النوع الأول، لكنّ ثمة تقديرات تشير إلى ستة في المائة". تضيف شقم أنّ "الكشف المتأخر من المشكلات الأبرز التي تعرقل مواجهة المرض، الأمر الذي يعني معاناة طويلة، ولا سيّما مع المضاعفات التي تلحق الضرر بالكلى والعيون والأطراف وما إليها".
وعن حصول المرضى على العلاج، تقول شقم إنّ الأردنيين بمعظمهم يستفيدون من تأمين صحي، سواء أكان تأميناً صحياً حكومياً أو عسكرياً أو من القطاع الخاص. ومن لا يملك تأميناً ويثبت مرضه، فإنّه يستفيد من إعفاءات للحصول على العلاج اللازم". وتتابع شقم أنّ "الجمعية تسعى منذ 27 عاماً إلى بذل كل الجهود اللازمة، في التوعية الصحّية والكشف المبكر عن مرض السكري، بالإضافة إلى محاولة مكافحة المرض وفقاً لأحدث الدراسات العالمية". وتشدّد شقم على أنّ "الأهمّ في مواجهة السكري هو الوعي"، مشيرة إلى "ضرورة خضوع كل شخص تجاوز سنّ الأربعين إلى الفحوص الطبّية اللازمة للتأكد من سلامته وعدم إصابته بالمرض. كذلك لا بدّ من الاطلاع على أعراض المرض، حتى يملك الشخص المعرفة في حال إصابته هو أو أحد المقرّبين بالمرض".
وتحمّل شقم "نمط الحياة العصري مسؤولية السكري، نتيجة تناول كميات كبيرة من السعرات الحرارية ومن الدهون المشبعة والنشويات، بالإضافة إلى الخمول والتدخين. بالتالي فإنّ الوقاية ممكنة من خلال اتباع نمط حياة صحي. وممارسة الرياضة على سبيل المثال، بشكلها البسيط وهو المشي، مفيدة جداً لتفادي السمنة التي تُعَدّ من الأسباب الأبرز للإصابة بالمرض، ثمّ يأتي تناول الطعام الصحّي". وعن تأثير "الوراثة"، تقول شقم إنها "سبب، بالتالي يجب على كل شخص أصيب أحد والدَيه أو أجداده أو إخوته بالمرض، أن يعمد إلى الفحوص دورياً حتى لا يكتشف المرض في مرحلة متأخرة ويصير من الصعب معالجة مضاعفاته".
من جهته، يقول المتحدث الإعلامي باسم وزارة الصحّة الأردنية حاتم الأزرعي لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأعوام الأخيرة شهدت تغيّراً في نمط الأمراض في البلاد، فلم تعد الأولوية للأمراض السارية المعدية بل للأمراض غير السارية المزمنة وفي مقدمتها مرض السكري الذي انتشر في المجتمع". يضيف أنّ "مثل تلك الأمراض تتسبب في معاناة عدد أكبر من المواطنين، ولها أبعاد اقتصادية واجتماعية وترتبط بتوفير الخدمات الطبية والعلاجية للمواطنين، علماً أنّ تكاليفها تؤثّر على وزارة الصحة وخططها".
ويشدد الأزرعي على أنّ "الحكومة الأردنية تولي الأمراض غير السارية جلّ الاهتمام والعناية، وتسعى في إطار استراتيجيتها الصحية إلى الحدّ من انتشار مرض السكري والأمراض المزمنة الأخرى، إلى أدنى المستويات الممكنة". ويوضح أنّ "الاستراتيجية الصحية تركّز على الوقاية بصورة أساسية، وذلك من خلال التثقيف والتوعية ومحاولة تعزيز أنماط الحياة الصحية، ولا سيّما المرتبطة بالتغذية، مع التركيز على ممارسة النشاط البدني".
في السياق، يؤكد الأزرعي ما صرّحت به شقم، حول عدم إجراء وزارة الصحة أيّ دراسة في خلال الأعوام الأخيرة عن السكري وانتشاره وعدد المرضى، بالإضافة إلى عدم وجود سجلّ وطني لهؤلاء المرضى. لكنّه كشف الناطق عن "توجّه لدى الوزارة لإنشاء مركز خاص لمرضى السكري في مستشفى الأمير حمزة في العاصمة عمّان"، مشيراً إلى أنّ "الوزارة تعمل حالياً على اتخاذ الإجراءات اللازمة ليكون المركز في خدمة المواطنين قريباً".