منذ أربعة أيام، ما زالت مناطق واسعة من ثماني مقاطعات تابعة لولاية كاليفورنيا الأميركية تحت رحمة ألسنة النار التي انتشرت بسرعة حالت دون تمكّن جميع سكانها من إخلاء بيوتهم والنجاة بحياتهم. وهو ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إعلان حالة طوارئ في الولاية. وحصيلة الحرائق - حتى كتابة هذه السطور - وفاة 17 شخصاً على أقل تقدير، في حين وصل عدد الذين اضطروا إلى النزوح من منازلهم أو إخلائها بناءً على طلب السلطات المحلية إلى أكثر من 25 ألف شخص، وفي حين أشارت السلطات إلى أنّ أكثر من 180 شخصاً هم في عداد المفقودين. وعلى الرغم من توقّعها ارتفاع حصيلة القتلى، إلا أنّ السلطات ترجّح أن يكونوا بمعظمهم على قيد الحياة غير أنّهم لم يتمكّنوا بعد من الاتصال بعائلاتهم. إلى ذلك، وصل عدد المباني التي حوّلتها النيران إلى ما يشبه هياكل عظمية، إلى ألفَي مبنى سكنيّ وفندق ومنتجع سياحيّ ومدرسة. تجدر الإشارة إلى أنّه في بعض الحالات، فوجئ السكان بالنيران إلى درجة أنّهم اضطروا إلى ترك سياراتهم خلفهم وسط حرارة نيران وصلت إلى 1500 درجة مئوية، ما يعني قدرتها على إذابة الحديد، مثلما بدا واضحاً من هياكل السيارات.
ومن المتوقّع أن يصل حجم الخسائر إلى مليارات الدولارات، فتلك المناطق الواقعة شماليّ كاليفورنيا، مثل سونوما ونابا، تشتهر بكروم العنب التي تغذّي إنتاج أنواع عدّة من نبيذ كاليفورنيا المعروف والفاخر، وهي مملوكة في الغالب من قبل عائلات صغيرة. كذلك، فإنّ تلك المناطق سياحية معروفة بمساحاتها الخضراء الواسعة.
حتى الساعة، لم تعلن السلطات عن أيّ أسباب محتملة لتلك الحرائق، فهي ما زالت تجهل إذا كانت قد اشتعلت نتيجة إضرامها عمداً أو أنّها جاءت بفعل عوامل طبيعية مناخيّة. أمّا المؤكّد هنا، فهو أنّ رياح شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل هي التي ساهمت في انتشار الحرائق بتلك السرعة. وصرّح مسؤول في السلطات المحلية المختصة في ولاية كاليفورنيا، كين بملوت، خلال مؤتمر صحافيّ عقده في هذا السياق، إنّهم يحققون حول "كل الاحتمالات لا سيّما إمكانية أن تكون الحرائق قد أضرمت عمداً، وتحقيقاتنا تشمل كل المناطق التي انتشرت فيها الحرائق. لكنّ الأولوية بالنسبة إلينا هي السيطرة على تلك الحرائق وتفادي وقوع عدد أكبر من الضحايا". وقد ناشدت السلطات المحلية السكان بتوخي الحذر ورفعت حالة التأهب المتعلقة بالطقس، إذ من المتوقّع أن تعود الرياح لتشتدّ خلال الساعات الاثنتَين والسبعين المقبلة، من دون أن تفوق سرعتها ما كانت عليه عند انطلاقها. وتأمل فرق الإنقاذ أن تتمكّن من استغلال الوقت، قبل اشتداد الرياح مجدداً، للحدّ دون انتشار النيران وانتقالها إلى جنوبيّ كاليفورنيا. تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة خبراء قالوا إنّ الجفاف والاحتباس الحراري وغيرهما من الكوارث البيئية التي يتسبّب فيها البشر، ضاعفت عدد الحرائق وكذلك سرعة انتشارها.
وقد وصف ناجون كثر ما عاشوه، ليقول أحدهم إنّه "مرعب". ويخبر أنّه عندما استيقظ صباح الإثنين ونظر إلى الخارج، رأى السماء برتقالية اللون من حدّة النيران المشتعلة، فظنّ للوهلة أنّ الحرب قد اندلعت وأنّ القنابل تتساقط عليهم. يُذكر أنّه لم يكن أمام بعض هؤلاء الناجين أكثر من عشر دقائق لحمل أهمّ حاجاتهم والهروب بأسرع ما يمكن. إلى ذلك، يروي ناج آخر أنّه سمع دوياً يشبه دويّ انفجار قبل أن يستوعب أنّ النيران تتقدم بسرعة مخيفة نحو منزله وأنّ عليه المغادرة على الفور. ويقول إنّ دقائق قليلة حالت بينه وبين الموت.
ووسط ذهول الآلاف من سكان تلك المناطق نتيجة سرعة انتشار الحرائق، عمدت السلطات إلى إخلاء بعض المستشفيات وفرضت حظر تجوّل في بعض المناطق البعيدة نسبياً عن النيران فطلبت من السكان البقاء في منازلهم وإغلاق النوافذ بسبب الدخان الكثيف. كذلك فتحت السلطات المعنيّة عشرات الملاجئ لاستقبال الفارين من النيران، ومن غير المتوقّع أن يتمكّن عدد كبير من هؤلاء من العودة إلى منازلهم قبل إخماد الحرائق كلياً والتأكد من سلامة تلك المناطق.
إلى ذلك، أدّت الحرائق إلى انقطاع إمدادات المياه والكهرباء والهواتف حتى في تلك المناطق التي لم تضربها الحرائق مباشرة، في حين أشار مسؤولون في فرق الإنقاذ إلى إنّ العاملين يعانون من إنهاك شديد إذ يعمل بعضهم ورديّته الثالثة على التوالي بسبب نقص في عدد رجال الإطفاء. يُذكر أنّ الحرائق اشتعلت في الوقت نفسه في أكثر من منطقة وعلى مساحات واسعة. كذلك، يمثّل الدخان وخطر الاختناق به تحدّياً من التحديات الرئيسية أمام فرق الإنقاذ.
تجدر الإشارة إلى أنّ كاليفورنيا كانت قد شهدت خلال العام الجاري عدداً كبيراً من الحرائق، لا سيّما خلال الأشهر الأخيرة، ليصل عددها إلى أكثر من سبعة آلاف و500 حريق، ضربت أكثر من ثمانية ملايين فدّان. وقد أُعلنت حالات الطوارئ أكثر من عشر مرّات منذ بداية العام في كاليفورنيا وحدها بسبب الحرائق.