موجة استغلال حقوق النساء... تتوسع

21 ابريل 2019
غبار وبرقع أزرق (فرانس برس)
+ الخط -
الصورة كانت باهتة... بنيّة أو ربما بلون التراب. ما أضفى لوناً عليها هو لباس المرأتَين اللتَين ترتديان البرقع الأفغاني الأزرق وتسيران خلف رجلَين. هذه الصورة من أفغانستان هي ما كان يصلنا من تلك البلاد بواسطة الإعلام، بعد اجتياح الولايات المتحدة الأميركية لها في عام 2001.

لم أحرص على البحث عن معطيات أو وسائل أخرى لتغيير تلك الصورة النمطية عن تلك البلاد. تخيّلتها بلاداً صحراوية خالية من الحياة ومن الألوان، ما عدا اللونَين الترابي والأزرق الباهت، الذي يميّز برقع النساء السائرات دائماً "خلف" الرجال. وحدث أن قرأت رواية "ألف شمس ساطعة" للكاتب الأفغاني خالد الحسيني، لتبدأ صورة أفغانستان في ذهني باكتساب بعض العناصر الأخرى، عدا لون الغبار والبرقع الأزرق. تخيّلت أفغانستان في ستينيات القرن الماضي، وامرأة ترتدي بلوزة حمراء وتنّورة قصيرة وشعرها أسود قصير بحسب الموضة. وتخيّلت عشباً أخضر محيطاً بالجبال في الريف، حيث كانت تلعب مريم وتنتظر عودة والدها كلّ أسبوع. تعرّفت إلى أفغانستان من الرواية النسويّة حولها بلسان مريم وليلى.

تذكّرت كلّ ذلك اليوم حين قرأت مقالاً، يفيد بأنّ حركة طالبان سوف تحرص على تضمين نساء في وفدهم إلى مباحثات السلام، التي تُعقَد في قطر وتنتهي اليوم في الحادي والعشرين من إبريل/ نيسان. بالنسبة إلى الناشطات النسويات الأفغانيات، فإنّ هذه الخطوة لا تعدو كونها "مسرحية". إشارة إلى أنّ النساء المشاركات في الوفد هنّ، بحسب تصريح حركة طالبان، "نساء أفغانيات عاديات"، الأمر الذي لا يضمن رفعهنّ الصوت والحرص على تضمين مطالب النساء في مباحثات السلام. طالبان لا تعدّ الناشطات النسويات "نساءً أفغانيات عاديات".

إذاً، وصلت موجة استغلال حقوق المرأة إلى حدّ تحقيق مكاسب سياسية لحركة طالبان. هي ركبت الموجة أسوة بغيرها. الولايات المتحدة الأميركية هي التي بدأت هذا المسار في عام 2001. هي التي استغلت واقع النساء وحقوقهنّ، لإضفاء "شرعية" ولتبرير الحرب على "الإرهاب" عندما غزت أفغانستان. وإشارة إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش إلى أنّ الدخول الأميركي إلى أفغانستان هو لتحرير النساء لا يعدو كونه هراءً، وإلا فما الذي أخّر "التحرير الأميركي للنساء؟".

بالعودة إلى المسرحية، تشارك نساء لا نعرف عنهنّ شيئاً باستثناء أنهنّ "أفغانيات عاديات" كما وصفتهنّ حركة طالبان، في مفاوضات السلام. هل يضعنَ شروطهنّ وينقلنَ أصوات النساء جميعهنّ وأولوياتهنّ وحقوقهنّ على طاولة المفاوضات؟ هل يطالبنَ بحصّة أو كوتا نسائية على مستويات صنع القرار؟ هل يطالبنَ بضرورة إنهاء العنف الهيكلي بحقّ النساء والفتيات؟




لننتظر ما سوف تفضي إليه المفاوضات عشيّة اليوم، وإن كنت متأكدة من أنّ حركة طالبان والولايات المتحدة الأميركية، في مقاربتهما لحقوق المرأة، لا تختلفان بشيء. كلتاهما استغلتا حقوق المرأة كغطاء لتحقيق مكاسب ومصالح سياسية ذكورية ضيّقة. لا أريد أن أفكّر في احتمال أن يكون خالد الحسيني كذلك قد تأثّر بالموجة، ولو قليلاً، وكتب الرواية إرضاءً للخطاب الأميركي.

(ناشطة نسوية)
المساهمون