في 15 سبتمبر/أيلول 1999، افتُتح مقر لجمعية عائلات ضحايا الاختفاء القسري خلال تسعينيات القرن الماضي، في وسط العاصمة الجزائر، بغرض معالجة ملفات المختطفين، وكشف مصير أكثر من ثمانية آلاف من ضحايا الاختفاء القسري، والتي تنسب التهم في أغلبيتها إلى أجهزة الأمن والدرك.
ويضم مقر الجمعية صور مئات من ضحايا الاختفاء القسري، في الفترة التي سميت بـ"العشرية السوداء". ومنذ عقدين من الزمن، تصر العائلات، كل أربعاء، على تنظيم تجمع قبالة مقر الهيئة الحكومية لحقوق الإنسان في العاصمة، للمطالبة بكشف مصير أبنائهم.
واليوم، اعتصم عشرات من عائلات المفقودين وسط العاصمة، للمطالبة بكشف مصير أبنائهم، ورفعت العائلات صور المختفين قسريا، وشعارات تطالب بالحقيقة وإقرار العدالة.
وقالت والدة الشاب شايبي فريد، الذي اختفى في فبراير 1997، لـ"العربي الجديد"، إنها تشارك في "كل مسعى للمطالبة بحق معرفة مصير ابني. الأجهزة الأمنية تتحمل مسؤولية اختفائه، وعليها أن تكون شجاعة في كشف مصيره، وبعدها يمكننا أن نتصالح".
وقال والد الشاب المختطف حدوش فريد، إنه سيواصل المطالبة بحقه في معرفة ظروف وملابسات اختفاء ابنه، مشيرا إلى أنه رفض ويرفض أي تسوية مالية لغلق الملف. "إذا كانت السلطات تعتقد أنها تراهن على الزمن لكي ننسى فهي واهمة، مثلما لم ننس عذابات الاستعمار قبل 50 سنة، لن ننسى عذابات اختفاء أبنائنا على يد السلطات قبل 20 سنة".
وقالت السيدة خديجة، التي اعتقل الأمن ابنها من منزله في منطقة بوروبة غربي الجزائر: "كثير من العجائز اللاتي كن معنا في التجمعات، خلال السنوات العشرين الماضية، رحلن وفي قلبهن غصة على غياب أبنائهن، وأنا أيضا قد أغادر الحياة من دون أن أعرف مصير ابني، لكن هناك رب عظيم، وإذا لم تتحقق العدالة في الأرض فستتحقق في السماء".
وراقبت الشرطة التجمع، وحاولت بداية الضغط على المعتصمين، لكنها فشلت في إقناعهم بفض الاعتصام. وقال المتحدث باسم جمعية "أس أو أس مفقودين"، حسان فرحاتي، إن "هذه الوقفة الرمزية بمناسبة اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، تأتي لتتوج 20 سنة من نضال الأمهات وعائلات المفقودين المتمسكين بحقهم في معرفة الحقيقة. السلطات غيرت هذه المرة من معاملتها، ولم يتم استعمال العنف ضدنا. أعتقد أن ضغوط الأمم المتحدة واللجنة الأممية لحقوق الإنسان التي عقدت جلسة في جنيف مؤخرا، وحضرنا فيها لطرح القضية، دفعت السلطات إلى تعديل سلوكها".
وإضافة إلى عائلات المختفين قسريا، حضرت شخصيات سياسية الوقفة الرمزية لدعم العائلات، بينها قيادات من حزب "جيل جديد"، منهم رئيس الحزب، جيلالي سفيان، ونواب من جبهة القوى الاشتراكية، إضافة إلى ناشطين في منظمات حقوقية ومدنية.
أم أمين، واحدة ممن رفضن قرارات الحكومة التي ضمها قانون السلم والمصالحة الوطنية الصادر في سبتمبر/أيلول 1999، بشأن منح تعويضات مالية لعائلات المختطفين مقابل التوقيع على وثيقة غلق الملف، وما زالت متمسكة بمعرفة مصير ابنها بوعبد الله عزيز، رغم مرور أكثر من 21 سنة على اختطافه.
وتقول أم المختطف بوشرفيط حكيم، إن "المعضلة في كوني لا أعرف مصير ابني. لا يتعلق الأمر بالموت، لأني فقدت ابنين آخرين ودفنتهما وأزور قبريهما، لكن ابني المختطف لا أعرف له قبرا ولن أسامح في حقه".
ويؤكد المتحدث باسم جمعية "أس أو أس مفقودين" في الجزائر، أن "افتتاح مقر للجمعية للسماح لعائلات المفقودين بالالتقاء لتنسيق الخطوات والمبادرات، كان خلال حملة لدعم استفتاء مشروع (الوئام المدني) الذي كان تتويجا سياسيا لاتفاق بين الجيش وقيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والذي قضي بنزول عناصر الأخيرة من الجبال مقابل عفو قضائي".
وأوضح فرحاني أن "الجمعية عالجت أكثر من ثمانية آلاف ملف لمختفين قسريا، وتسعى للقيام بجميع الخطوات اللازمة محليا، لكشف الحقيقة قبل الانطلاق إلى خطوات دولية"، مشيرا إلى أن "القضية جوهرية، وهي نقطة سوداء في تاريخ البلد، وتحتاج إلى جهد لكشف مصير كل المختفين، ونضالنا مستمر لمعرفة الحقيقة وإقرار العدالة".
وقال إن "أرقام المختفين حاليا تصل إلى عشرة آلاف. وفي عام 2007، صدر التقرير السنوي للمرصد الوطني لحقوق الإنسان، الذي أكد أن أكثر من 14850 عائلة جزائرية وافقت على تعويضات مالية اقترحتها السلطة"، مشيرا إلى أن "هناك تضاربا واضحا في الأرقام بين الهيئات الحكومية، حيث يشير المرصد الحقوقي إلى 6146 مختفيا، بينما يقول جهاز الدرك إن العدد بلغ 7200 حالة اختفاء قسري".
ويضيف: "بالنسبة لنا ليست الأرقام هي المشكلة في الوقت الحالي، ما يهمنا هو إقرار الحقيقة كاملة، ونطالب بتشكيل لجنة مستقلة لكشف الحقيقة، ومعرفة مصيرهم، ونحن مصرون على إقرار العدالة".