سرقات لبنان... خزنات وتحصينات لحماية المواطنين

15 يناير 2020
الخزنات أحجام عدة (حسين بيضون)
+ الخط -

زيادة الإقبال على ورش الحدّادين في لبنان ليست تماشياً مع موضة في عالم الديكور، بل ضرورة أمنية حتّمها ازدياد عمليات السرقة التي استهدفت المنازل من ضمن أهداف أخرى، ومثلها التزود بالخزنات

الأحد، في الثاني عشر من يناير/ كانون الثاني الجاري، ورد الخبر الآتي عبر "الوكالة الوطنية للإعلام" الرسمية اللبنانية: "دخل مجهولون بواسطة الكسر والخلع، إلى أربعة منازل في حي الجرفة ببلدة كفربين في أعالي جرود الضنية (شمالي لبنان)، وسرقوا منها كلّ ما يمكنهم بيعه، من أدوات منزلية وكهربائية وغيرها. وحضرت القوى الأمنية إلى المكان، وباشرت تحقيقاتها لمعرفة الفاعلين".

الخبر لافت كون عملية السرقة استهدفت منازل بالجملة، ما يقدم دليلاً على أنّ اللصوص كانوا يعملون "على راحتهم" بحسب التعبير اللبناني. والعملية ليست سوى حلقة سبقها كثير من السرقات ولحقها كثير أيضاً، مع توقعات باستمرارها. هكذا، يجد قاطنو لبنان من مواطنين وغيرهم، أنفسهم مهددين بالسرقة، سواء في منازلهم أو متاجرهم أو سياراتهم أو حتى على الطرقات. الأزمة المالية - الاقتصادية في البلاد، وما أدت إليه من تدنٍّ في المستوى المعيشي من الأسباب البارزة، يضاف إليها، ربما، انشغال القوى الأمنية في معظم عديدها الفاعل، بالتظاهرات من جهة، وبحراسة الفروع المصرفية من جهة أخرى، ما رفع مستوى الجريمة، وزاد عدد السرقات من ضمنه.

وبينما ماطلت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، في الردّ على استفسارات لـ"العربي الجديد" حول أعداد السرقات وأنواعها وأهدافها في الشهرين الأخيرين، وذلك طوال أكثر من أسبوعين، لتردّ لاحقاً، بعد فاكس واتصالات عدة، بأنّ "المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان أمر بعدم تزويد أيّ جهة بأيّ معلومات"، فإنّ جولة بسيطة في الأخبار المحلية في لبنان تكشف عن تزايد كبير في عمليات السرقة وتنوعها، لتتخذ طابع التنقل بين مختلف المناطق.
في اليوم نفسه لحادثة الضنية، الأحد الماضي، سُرق عن طريق الكسر والخلع، مركز "جمعية حرمون الخيرية" في زحلة (البقاع، شرق) التي تعنى بالأشخاص المكفوفين، وقدرت قيمة المسروقات بعشرة آلاف دولار أميركي. وفي اليوم نفسه، تمكنت عناصر في قوى أمن الدولة من توقيف مشتبه فيهما بجرم سرقة محل والتخطيط لسرقة آخر في بلدة دبين، قضاء مرجعيون (جنوب). كذلك، تمكنت قوى الأمن الداخلي من توقيف ثلاثة مشتبه فيهم بسرقة منازل في بلدات بغربي بعلبك (شرق) يوم السبت الماضي.




قبلها بأسبوع واحد، سُرق بالطريقة نفسها، سجاد من منزل الصحافي نبيه البرجي، في بلدة علي النهري، زحلة (شرق). كذلك، سُرقت محطة محروقات في ضهر الليسنة، عكار (شمال)، وتمثلت المسروقات في مبالغ مالية ودراجة نارية وبنادق صيد. وفي الثالث من يناير/ كانون الثاني الجاري، أوقفت القوى الأمنية منفذ عمليات سرقة عدة في صور (جنوب) عن طريق الكسر والخلع. وفي الثاني منه، عممت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بناء على إشارة القضاء المختص، صورة الموقوف "ع. ش." الذي اعترف بإقدامه على السرقة بطريقة احتيالية من داخل محال لبيع المجوهرات عن طريق إيهام أصحاب المحال بتكليفه بتسلم مصاغ لأشخاص آخرين وضعت في المحال للتصليح. وطلبت ممن وقعوا ضحية أعماله، الحضور إلى المركز لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وفي 30 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، سُرق مصاغ ومبلغ من المال عائدان لأحد المواطنين، من داخل منزل أنسبائه، وكان قد وضعهما سابقاً لديهم. وفي 28 من الشهر نفسه، سُرق مبلغ كبير من المال تجاوز 105 آلاف دولار أميركي، من سوبرماركت في الفرزل، زحلة (شرق)، وذلك بواسطة الكسر والخلع.



هذه الحوادث قلة من كثير مما يجري في لبنان، ويدفع باتجاه الاحتياط. يشير أحد التجار إلى أنّ السرقات التي تستهدف المنازل بالذات مردّها إلى تصريح لحاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، أشار فيه إلى أنّ اللبنانيين يحتفظون بأموالهم من الدولار الأميركي في منازلهم، بواقع 3 مليارات دولار، وهو ما ساهم في تطور أزمة صرف الدولار في لبنان، وارتفاعه عن السعر الرسمي المتعارف عليه بحدود 1500 ليرة، ليصل إلى 2500 ليرة في بعض الأحيان. يعلق التاجر ساخراً: "رياض سلامة رسم للصوص برنامج عمل للمرحلة المقبلة".

أما الاحتياطات فكثيرة لعلّ أشدّها تطرفاً اقتناء السلاح الناري، من مسدسات وبنادق صيد ورشاشات حربية في المنازل، سواء أكان مرخصاً أم غير مرخص. يشير مصدر مرتبط بتجارة السلاح غير الشرعي، لـ"العربي الجديد" إلى أنّ أسعار بندقية الكلاشنيكوف تتراوح حالياً بين 700 و1000 دولار أميركي "بحسب نظافة القطعة ومكان تصنيعها"، بينما يتراوح سعر مسدس الـ"غلوك" مثلاً، ما بين 3 آلاف دولار و5 آلاف.

ومن الاحتياطات الأخرى الأقلّ تطرفاً، لكن مع ذلك تحتكرها فئة من الناس، لا سيما من يحفظون أموالاً ومجوهرات، بكمية كبيرة، في منازلهم أو شركاتهم، اقتناء الخزنات. وبينما لا يتجاوز سعر خزنة قابلة للخلع، في المحلات المنتشرة على الخط الدولي، في محلة الغبيري، بالقرب من السفارة الكويتية في بيروت، 200 دولار أميركي، فإنّ للخزنات "المحترفة" حكاية أخرى.




في أحد أهم متاجر الخزنات، المتفرع من شارع الحمراء، في العاصمة، كان أحد الشبان يجول مع مدير المتجر، باحثاً عن خزنة تناسبه. تلفت نظره خزنات ذات ألوان عدة، فمنها الأخضر والأحمر والأصفر والأزرق. يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّه يملك صيدلية، وبات خائفاً من استهدافه خصوصاً بعد تكرار عمليات السرقة التي طاولت الصيدليات حتى في الآونة الأخيرة. لم تعجبه الأسعار، في مثل هذه الأزمة المالية الراهنة، التي تحدّ من السيولة بين أيدي المواطنين، كما تحدّ من التداول بالشيكات المصرفية، على الرغم من أنّ المدير أكد له أنّ التسعيرة والدفع هما بالليرة اللبنانية وليسا بالدولار.

المدير بدوره، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ الإقبال بات أكثر من ذي قبل على شراء الخزنات. يشير في البداية إلى أنّ لمعرضه زبائن في كلّ الأوقات، لكنّ "نوعية الناس تغيرت أخيراً، فقد رأيت أشخاصاً يملكون متاجر صغيرة، كصاحب الصيدلية الذي خرج، ومالك مشغل خياطة، يسألون عن خزنات، لخوفهم من السرقة". يتحدث عن ميزات الخزنات لديه، مشدداً على أنّها ضد الخلع والكسر والحرق، وهي تقفل بالأرقام بالإضافة إلى مفتاح، مع كفالة خمس سنوات على مستوى الصيانة. كذلك، فإنّ الخزنة مشمولة بالتأمين الخاص بالصانع، إذ إنّ أيّ سرقة أو تلف لما فيها، تعترف به شركة التأمين. أما الأسعار وعلى أساس الليرة اللبنانية، فهي أربعة ملايين و350 ألف ليرة بالإضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة، للخزنة الكبيرة التي تزن 300 كيلوغرام، أي ما يعادل نحو ثلاثة آلاف دولار بحسب سعر الصرف الرسمي، ومليون و750 ألف ليرة، للخزنة الصغيرة التي تزن 100 كيلوغرام، بالإضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة، أي ما يعادل نحو 1350 دولاراً أميركياً. ويشير إلى أنّ الفريق الخاص بالمتجر هو الذي ينقلها إلى المكان المقصود، ويثبّتها بما لا يتيح أيّ مجال لانتزاعها من الجدار الذي تثبّت فيه.



"جمهور" الحدّادين، قد يكون مختلفاً في الطبقة الاجتماعية، لكنّه لا شكّ لديه ما يخاف عليه في منزله أو متجره. الحدّاد المهتم بالأبواب، يسمّى في لبنان "حدّاداً إفرنجياً". وبينما يعرض أحدهم في محلة الأوزاعي، إلى الجنوب من بيروت، سعراً لبوابة قضبان حديد خارجية، مترين طولاً ومتراً ونصف المتر عرضاً مع الغال (القفل الداخلي)، ويمكن إضافة ترباس خارجي وقفل خارجي إليها، تركّب أمام الباب الخشبي الرئيس للمنزل، بـ250 دولاراً أميركياً، يختلف الوضع مع أنواع أخرى من الأبواب لا تتوفر لديه. يرشد "العربي الجديد" إلى ورشة حدادة قريبة، في محلة الجناح.

هناك، تختلف المصطلحات، ففي المكان الذي يتجمع فيه خمسة شبان متيني البنية حول صفيحة معدنية تشتعل فيها نيران الحطب، هرباً من طقس يناير البارد جداً في هذه الصبيحة، يقدم صاحب الورشة، أحمد العراقي، لـ"العربي الجديد" عرضاً مختلفاً، بحسب المواصفات المقترحة عليه: "مقاس البوابة متران بمترين وعشرين سنتيمتراً، دوبل صاج (لوحتا حديد متقابلتان من الجهتين) مع الغال، مع الطلاء والديكور، مع نقلها وتركيبها، بـ750 دولاراً. أما إذا كانت صاجاً واحداً، فعندها لن تكون مع ديكور، وسيتدنى سعرها إلى 450 دولاراً".




مثل هذه الحلول التي يلجأ إليها اللبنانيون قد تزداد وبشكل أوسع وأكثر تحصيناً وكلفة، لا في البيوت والمتاجر فحسب، بل أيضاً في المصارف التي بدأت تشهد أعمال شغب وبعض الاحتجاجات داخلها، وعلى أبوابها. واقع لا يغيب عنه، أنّ معظم اللبنانيين يضعون اللوم في الأزمة الحالية على المصارف، وفي رأسها المصرف المركزي، ومن خلفها الطبقة السياسية الفاسدة.
المساهمون