"حفرة الدخان" للزوجات في السودان

06 ابريل 2017
استعدّت العروس جيداً لزفافها (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
أثّرت الحداثة على الموروثات والعادات السودانيّة، وقد اختفى بعضها تماماً، باستثناء "حفرة الدخان" التي قاومت الحداثة وظلّت تحتفظ بمكانتها وسط نساء السودان، كجزء مكمّل للزواج. "الدكّة" كما تعرف محليّاً أو "حفرة الدخان"، عبارة عن حمام بخار من دون مياه، يعمل على دخان الحطب فقط. عرفه السودانيون منذ آلاف السنين، وقد ارتبط بثقافتهم وتوارثته الأجيال. حمام البخار هذا يفصل بين حياة الفتاة ما قبل الزواج وما بعده، ويعدّ مؤشراً لبداية الحياة الزوجية.

بعد خطوبة الفتاة وتحديد موعد الفرح، تحبس في المنزل لمدة شهر، ويكون الدخان خلال هذه الفترة رفيقها لأهميته في تحضيرها لليلة العرس. ونادراً ما يخلو أي منزل في السودان من "حفرة دخان"، وعادة ما تحفر في باحة المنزل بعمق 50 سنتمتراً. ويثبّت في داخلها إناء من الفخّار بشكل دائري، ويوضع في داخله قطع من حطب "الطلح" أو الشاف أو الهبيل أو طلح السدر، وعدد من جمرات النار. وتجلس عليه العروس، بعدما تضع "برش"، وهو عبارة عن سجّاد دائري مصنوع من جريد النخل، وفيه فتحة دائرية بحجم الحفرة. بعدما تجلس على الحفرة عارية، تغطي جسدها ببطانيّة سميكة أو "شملة". قبل ذلك، تدهن جسدها بدهن تقليدي من شحم الضان، يخلط بزيت السمسم ويضاف إليه مجموعة من العطور وماء الغرنفل، لتصبح رائحته عطرة.

وهناك طقوس عدة تتعلّق بالدخان بالنسبة للعروس. وعادة ما تتولى هذه المهمة إمرأة كبيرة في السن وصاحبة خبرة، حتى لا يتضرر جسم العروس. كذلك، تتبع العروس حمية غذائية تركز على الحلويات والنشويات رغبة في تسمينها، علماً أنّ الدخان يساهم في فتح شهيّتها.

يرافق الدخان المرأة طوال حياتها. وعادة ما تمارس هذا الطقس يوميّاً أو أسبوعياً، ولا تتخلى المتزوجة عنه إلا في حال انفصالها عن زوجها أو وفاته أو سفره. وقد تتوقف في فترات معيّنة في حال وفاة أحد أقاربها. وتعدّ حفرة الدخان رفيقة المرأة السودانيّة المتزوجة أينما كانت. وبدلاً من الحفرة، بات هناك إناء دائري من الفخّار يسهل حمله.

وتتعدّد مزايا الدخان، إذ يساهم في تنعيم الجسم ومنحة لوناً ذهبيّاً، ويساعد في تسهيل التئام جروح الولادة، عدا عن تسهيل الولادة الطبيعية. وهذا الطقس هو إشارة للزوج بالرغبة في الجماع، نظراً إلى كون المجتمع السوداني محافظاً، وعادة ما تشعر المرأة بالخجل. وبمجرد أن تمارس المرأة هذا الطقس، وتتعطّر بالعطور التقليدية المعروفة باسم "الخمرة والبخور"، يفهم الزوج رغبتها. لذلك، يعدّ الدخان محرّماً بالنسبة للفتاة غير المتزوجة.

وللدخان السوداني فوائد علاجيّة، من بينها أنه علاج طبيعي للروماتيزم وآلام الظهر والمفاصل والقدمين. كذلك، يساهم في تقويتها فضلاً عن معالجته بعض الالتهابات، كالتهابات المجاري البولية ونزلات البرد والإسهال، بالإضافة إلى التخفيف من الكسل والإرهاق والخمول.
ويرى أطبّاء أن هناك فوائد للدخان، منها إفراز الجسم كميّة من الأملاح عبر التعرّق، وقتل الجراثيم وتقليل الالتهابات التي تصيب النساء، فضلاً عن مساهمته في تبييض البشرة. ويرى البعض أنّ الارتباط الوجداني بالدخان لدى السودانيّين أكبر، كونه مكتسبا منذ الصغر. في المقابل، فشلت زيجات كثيرة بسبب اختلاف وجهات النظر.



وتقول نفيسة (35 عاماً): "علاقتي مع زوجي ساءت بسبب إصراري على الدخان، ووصلت إلى حد الانفصال. أخشى سخرية الناس". تضيف: "إذا لم أفعل ذلك، يمكن أن أخسر والدتي، التي تعتبر أن الدخان جزء من المظهر الاجتماعي". أما محمد، فيؤكّد أن لديه صديقاً انفصل عن زوجته الأجنبية بعد فشله في إقناعها بممارسة العادات السودانية، من بينها الدخان.

إضافة إلى الدخان، يقطّع الطلح ويحمل على الأكتاف إلى منزل العروس، مع الغناء والزغاريد والرقص. وبات هناك ما يعرف بـ "شيلة الدخان"، ويعمد أهل العريس إلى إرسال نساء كبار في السن، مع مجموعة كبيرة من طلح الدخان ومتطلباته الأخرى من زيت وطحينة وحلاوة، بهدف الاهتمام بالعروس وجعلها تخرج بأبهى صورة ليلة فرحها.

ويحذّر بعض الخبراء من الدخان، ويطالبون بضرورة التخلّي عنه. وتعدّ جمعية محاربة العادات الضارة أحد المطالبين بإلغاء هذه العادة. إلا أن الدعوات لم تجد آذاناً صاغية من قبل السودانيّين، وقد واجهت كثيراً من السخرية، باعتبارها عادة متوارثة منذ آلاف السنين.

تقول آمنة (40 عاماً): "عرفنا الدخان منذ طفولتنا، ويعدّ جزءاً من تربيتنا، وقد توارثناه عبر الأجيال، وأصبح جزءاً من كيان وصورة الزوجة". تضيف: "لو كانت حفرة الدخان تسبّب المرض، لما كنّا ما زلنا على قيد الحياة". تضيف أن أمراض السرطان وغيرها هي نتيجة الحداثة".

يشار إلى أن رائحة الدخان تعدّ معطّراً طبيعياً، خصوصاً أنها تساهم في إزالة رائحة العرق وغيرها من الجسم والشعر. كذلك، يساهم الدخان في تغذية بُصيلات الشعر وتقويتها ومساعدتها على النمو. بعدها، يدهن الشعر بزيت خاص. فخلال الجلسة والتعرّق، تتفتح مسامات الجلد ويتغذى الشعر. أيضاً، فإن المداومة على الدخان تزيل التجاعيد من الجلد، خصوصاً الوجه والكتفين والقدمين.

المساهمون