فلسطين تستعيد عرسها التراثي.. تأكيد على الهوية

رام الله

محمود السعدي

محمود السعدي
15 يوليو 2016
+ الخط -
ترنو الذاكرة إلى تاريخ جميل لا يبعد كثيراً، لكن يُخشى عليه من الضياع في ظل التحدي وإثبات الهوية الفلسطينية ضد احتلال إسرائيلي يحاول طمس التاريخ ويتشبث بحق مزيف.

استعاد الفلسطينيون هذا العام عادات لأعراس بلداتهم ومدنهم قبل عشرات السنين، والتي كادت أن تندثر. في بلدة بيرزيت، شمالي رام الله وسط الضفة الغربية، كان المئات من 14 قرية فلسطينية منها مدمرة منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، يستعيدون ذكرى بلداتهم الجميلة وعادات أعراسهم، ضمن فعاليات أسبوع التراث الثامن الذي تنظمه "جمعية الروزنا".

جوزيف عبد الله من مدينة الناصرة في الداخل الفلسطيني المحتل جاء ضمن وفد مشارك ليحيي عادات العرس الفلسطيني في قرية معلول القريبة، والتي هجرت في عام 1948، يقول لـ"العربي الجديد": "كانت الأعراس في الشوارع، تجوب الزفة شوارع القرية، حيث لا تكاليف ولا قاعات، والغناء تراثي على وقع الطبلة أو المزمار بحسب عادات القرية، نشتاق إلى هذا الغناء والتراث".

بينما تطوف بين أرجاء أحد ميادين بيرزيت الذي شهد الاحتفالية تجد أعراساً من قرى الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، والضفة الغربية. وهي أعراس منفصلة بلباسها وعاداتها وغنائها ورقصها في بقعة جغرافية لا تتجاوز مئات الأمتار. شارك المئات من مختلف المحافظات الفلسطينية. وغابت عادات الأعراس التراثية لقطاع غزة فلم يتمكن المشاركون من الحضور بسبب واقع الحصار المفروض على القطاع.

احتشدت القرى في الميدان. كلّ قرية تتباهى بملابس عرسانها وعرائسها. منهم من ركبت العروس خيلها بانتظار عريسها. بينما الحناء والأرز والسكر والحلويات البسيطة تحمل على رؤوس النساء في إناء من القش، لينثر على المشاركين والمارة، وسط أغانٍ ورقصات تراثية وإصدار أصوات بطقطقة الأكواب الزجاجية. وتصفق النساء ويغنين أغاني تراثية وهن يلبسن الملابس الفلسطينية التراثية. ووقفت عروس إلى جانبها أمها أو إحدى قريباتها من الكبيرات في السن، ليأتي الرجال ويهدوها نقوداً (عادة تسمى النقوط). رددت السيدة المرافقة للعروس لكل من نَقَطَ باسمه بعبارة: "خلف الله عليك يا فلان".


تقول تيري بُلّاطَة من القائمين على أسبوع التراث الثامن في بيرزيت، لـ"العربي الجديد": "نهدف من هذه الفعاليات التي تركز في كل سنة على جزئية من تراثنا الفلسطيني، إلى نقل هذا التراث من الماضي إلى المستقبل، فمن لا تاريخ له ليس له مستقبل. ركزنا في هذا العام على العرس الفلسطيني بعاداته وتقاليده التي لا يعرفها الكثير حالياً".

وتلفت بُلّاطَة إلى أنّ عدة قرى من خمس محافظات في الضفة الغربية شاركت في فعاليات إحياء العرس الفلسطيني، بالإضافة إلى قرى من الداخل الفلسطيني. ولم يتمكن القائمون على الفعالية من إشراك قطاع غزة نظراً للظروف الراهنة وواقع الحصار المفروض عليه، فيما يأملون أن تشارك كلّ القرى والمدن والبلدات الفلسطينية في إبراز هويات تراثها في الأعوام المقبلة.

تتقدم قرية دير الحطب شرقي محافظة نابلس وهي تزف عروسها، فيحمل المشاركون دمية تدعى الزرافة مكونة من قطعة قماش أبيض، وعليها وردة حمراء من القماش. يتقدمهم الرجال بزيهم التراثي وهم يرقصون على الأغاني البدوية. ومنهم رجال يحملون صندوقاً فيه جهاز العروس (ملابس وأكسسوارت ومهر وذهب).

يوضح أكرم زامل، وهو من المشاركين من دير الحطب لـ"العربي الجديد" أنّ الزرافة كان يحملها العريس، وبعد انتهاء عرسه يضعها على شجرة زيتون في القرية. وتبقى كذلك إلى أن يأتي عرس آخر، فيأخذها العريس الجديد إلى عرسه وهكذا إلى نهاية العام. وتجدد الزرافة في بداية العام الجديد وتعاد الكرة مرة أخرى.

سجلت لجنة التحكيم التي من المفترض أن تختار "عروساً" لهذا العام تتقن تقاليد قريتها علامات لكلّ قرية تتقن الزفة التراثية في أعراسها.

يقول العضو في لجنة التحكيم منير ناصر لـ"العربي الجديد": "بالرغم من مرور عشرات السنين على الانقطاع عن هذه العادات، إلّا أنّ بعض القرى ما زالت تحتفظ ببعض الجزئيات من تلك التقاليد". ويشدد على أنّ الحفاظ على التراث في فلسطين يختلف عن بقية الدول فهو نوع من الحفاظ على الهوية والشخصية الفلسطينية.

بعد اجتياز القرى مرحلة الزفة، تحتشد العرائس على منصة في ساحة عامة إلى جانبها معرض للتراث والمطرزات. وأمام المنصة لجنة التحكيم تسجل علامات لكلّ عروس تتحدث عن ثوبها وعادات بلدتها في العرس الفلسطيني، بالإضافة إلى روايتها لقصة فلولكلورية بلهجة بلدتها، حيث تسجل اللجنة مدى إتقان العروس لتلك اللهجة، وكذلك مدى إتقانها زينتها وأكسسواراتها المفترضة في ذلك الحين. ويسجل كلّ عضو من أعضاء لجنة التحكيم انطباعه الشخصي عن كل قرية مشاركة.

فكرة إعادة إحياء التراث لاقت إقبالاً لدى المشاركين، لكنّ السيدة ابتهاج أبو عيسى من قرية الجلمة، شرقي جنين، تؤكد لـ"العربي الجديد" أنه لو تم إبلاغهم قبل وقت كافٍ لشاركت الجلمة بشكل أفضل، خصوصاً أنّ منها شعراء عديدين في الزجل الشعبي يشتهرون في فلسطين منذ عقود، حيث تحافظ القرية على الزفة الشعبية حتى اليوم كجزء مما تبقى من عادات العرس الفلسطيني القديم.

يتقدم الرجال النساء في العرس الفلسطيني مع اختلاف في الملابس وبعض العادات والتقاليد والغناء والرقصات أو حمل السيوف والخناجر، بينما العروس والعريس في الوسط. جاء المشاركون بمختلف أعمارهم إلى بيرزيت تغمرهم الذكريات، فالأطفال الصغار ما دون سن العاشرة أصروا على لبس الدماية والكوفية للرجال، بينما ارتدت الزهرات ثوباً فلسطينياً منقوشاً بألوان التراث يتوسطه الزنار، ويكسو المنديل الرأس تعلوه العصبة الخضراء.

 
بدورها، أصرت السيدة الستينية أم فراس، من سكان قرية عطارة المجاورة لبيرزيت، على المشاركة في فعاليات العرس الفلسطيني التراثي. تقول لـ"العربي الجديد": "هذا تراث أهلي يذكرنا بالزمن القديم، لقد جئت هنا لأجل ذلك".

دلالات
المساهمون