عن نُخَب التعليم العالي

26 أكتوبر 2014
بالمنطقة العربية أكثر من 300 جامعة رسمية وخاصة (Getty)
+ الخط -
في المنطقة العربية أكثر من 300 جامعة رسمية وخاصة. بالطبع العدد الأكبر ينتمي إلى القطاع الخاص، لكن الجامعات الرسمية التي تتلقى موازناتها من الدول ليست قليلة.

لا أقصد الحديث عن مستويات التعليم العالي على صعيد الأبحاث المصنّفة، وهي في الواقع معبّرة، باعتبار أن ما يرد في المقاييس العالمية للتعليم العالي، ليس أكثر من جامعة أو جامعتين فقط. ما يعني أننا لم نفلح في مضماري العلوم والإنسانيات معاً.

ما نتطرق إليه موضوع أكثر إلحاحاً ولا يرتقي إلى المستوى السابق المطلوب. وهنا بيت القصيد. السؤال المطروح هو التالي: ما هي حصة أساتذة الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في الثقافة الوطنية والعربية والإنسانية؟ عندما نتحدث عن الأساتذة، نتحدث عن عشرات الألوف من المفترض أنهم إلى جانب مهمة تعليم طلابهم، ينشرون دراسات وأبحاث ومقالات في المجالات كافة.

يمكن أن ينسحب مثل هذا السؤال على الخريجين. فماذا يتلقى الطلاب في جامعاتهم ومعاهدهم العليا من ثقافة وعلوم؟ هنا نتحدث عن عدة ملايين يُفترض أنهم عندما يدخلون إلى أحرام مؤسسات التعليم العالي، يصلون إلى الموضع الذي يتم فيه بلورة وصقل معارفهم وتزويدهم بما يحتاجون إليه من تَعَوُّد على أهمية النقد والتحليل والنظرة النسبية إلى الأمور، وخطورة عصر العولمة، واقتصاد المعرفة، وثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية، وقبول الآخر والحوار معه، بديلاً عن الإلغاء والتهميش والعزل.

عندما نتحدث عن أكثر من ثلاثمئة جامعة وعدة مئات ألوف من الأساتذة وملايين الطلاب، نتحدث عن كتل مجتمعية كبرى تدفع إلى طرح عشرات الأسئلة في اللحظة الراهنة. بالطبع تطال تلك الأسئلة كل المجالات من دون استثناء، بدءاً من مستوى العلوم وفلسفتها إلى ما يصل ويرسخ من مضمونها فعلاً. وأبرز الأسئلة: كيف وصلنا إلى ما نحن فيه ممّا يهدّد بتدمير الذات العربية، وما تم تعميره بعرق عشرات الملايين من الناس وعلى امتداد أجيال، فإذا بنا نحيله قاعاً صفصفاً في غمضة عين، أو بمجرد ضغط أصبع على الزناد؟

المؤسف، بل القاتل، أن الأسئلة المفتوحة التي تصفع وجوهنا، لا تُقابَل بأيّ نوع من أنواع الاستنفار الفكري في تلك المؤسسات للإجابة عليها، أو على الأقل محاولة البحث عن أجوبة. والتجاهل الذي يتم ليس عفو الخاطر، بل مقصود، كونه يحكم لغير جدوى هذا التعليم العالي، مؤسساتٍ وأساتذة وطلاب وخريجين.

التعليم العالي بحاجة في ضوء الواقع إلى أكثر من إصلاح... إنه بحاجة إلى ثورة فعلية تضعه على سكة العصر والحياة والبحث عن الأجوبة للكارثة التي تلتهمنا ومعنا الأخضر واليابس!

(أستاذ في كلية التربية ـ الجامعة اللبنانية)
المساهمون