سوريّات وحيدات.. غربة في ألمانيا واشتياق

14 يوليو 2016
ربّما تعاني من الوحدة (توبياس شوارز/فرانس برس)
+ الخط -
"أشعر بالوحدة. أتمنّى لو كان لديّ أصدقاء كما في سورية. أين أنتِ؟ في أيّ مقاطعة تعيشين؟ دعونا نشكّل مجموعة ونخرج معاً. هل يعيش أحد في مدينتي أو على مقربة منها؟ أقطن في لايبزيغ، وأنا في هامبورغ. أعيش هنا منذ عام. ليس لدي أصدقاء. إذا استمر الحال على هذا النحو سأعاني من الكآبة".

هذا بعضٌ ممّا تقوله سوريّات في ألمانيا. أحياناً، يتبادلن هذه الكلمات من خلال صفحات "فيسبوك" (أنشأ سوريون العديد من الصفحات في الآونة الأخيرة بهدف جمع نساء سوريّات). كثيرات يتشاركن الشعور بالوحدة والغربة، سواء أكنّ متزوّجات أو عازبات أو طالبات أو عاطلات من العمل أو غير ذلك.

تقول سلوى، وهي من حلب، وقد لجأت إلى مدينة بريمن قبل نحو ثلاث سنوات: "في البداية، يكون همّ اللاجئ الحصول على إقامة ومنزل، ويعتقد أن جميع مشاكله ستحلّ بمجرد حصوله عليهما. لكنّ ما إن يصبحان في متناول يده حتى تبدأ مشاكل أخرى، وهي الاشتياق إلى الحياة السابقة وناسها". وتوضح سيدة أخرى أنها تعيش في ألمانيا منذ سبع سنوات، وقد أنشأت العديد من الصداقات مع ألمانيات وروسيّات. مع ذلك، تشعر أنها ما زالت تحتاج إلى صديقة سورية تفهم لغتها وهمومها من دون الكثير من الشرح، لافتة إلى أن طبيعة الألمانيات مختلفة عن العربيّات.

وتشكو كثيرات من "انغلاق المجتمع الألماني على نفسه، وصعوبة نسج علاقات دافئة مع الألمانيات". كذلك، ينتقدن بعض التصرّفات التي تندرج في خانة "البخل أو قلة اللباقة"، بالنسبة لهن. على سبيل المثال، الصديقة الألمانية تدفع ثمن فنجان قهوتها بشكل منفصل.
وتقول أخريات إنهن حين يدعين صديقات ألمانيات، يحرصن على حسن الضيافة كما هو متعارف في بلادهن. في المقابل، فإن الألمانيات لا يقدرن هذا ولا يقمن بالمثل. من جهة أخرى، فإن هدايا الألمانيات رخيصة جداً ولا قيمة لها، في مقابل الهدايا التي تقدّمها العربيات. في هذا السياق، تقول عروبة من سورية: "كأننا ندفع ضريبة صداقتنا معهن. دائماً علينا أن نقدّم أكثر مما نحصل". تضيف أنه بعد محاولات عدة لإقامة صداقات مع ألمانيات، اكتشفت طبيعة هذه العلاقة وشكلها، ما دفعها إلى التفكير بصداقة إبنة بلدها.

تجدر الإشارة إلى أن عروبة تقيم في برلين منذ سنتين، وقد تعرّفت بداية إلى الكثير من الصديقات الألمانيات رغبة منها في تعلم اللغة سريعاً والاندماج. لكنها بعد فترة، شعرت بأنها تريد صديقات سوريات. أما شذى، وهي دكتورة في الهندسة الإلكترونية في مقاطعة تورنغن، فتقول إنها اعتادت طباع وعادات الألمانيات. تضيف أنها لا يمكن أن تعامل صديقتها الألمانية مثلما تعامل العربية، فإذا لم تحسن ضيافة الصديقة العربية ستظنّ أنها بخيلة، أما إذا عاملت الصديقة الألمانية بالمثل عندها ستعتقد هذه الأخيرة أنها غبيّة.

من جهةٍ أخرى، تعاني العديد من السوريّات من الوحدة، وقد وجدن أنفسهن غير قادرات على الارتباط بشاب عربي أو ألماني. في هذا الإطار، يعمل البعض على مساعدة النساء والرجال في إيجاد الشريك، وإن كان الأمر ليس سهلاً. تقول رهام: "كنت أتمنى الارتباط بشاب أوروبي منفتح، لكنني وجدت لديه تفاصيل كثيرة يصعب تحمّلها. كذلك، لا أستطيع تحمّل عقلية الشاب العربي". ترى أن "العربي أكثر عاطفة وحناناً من الألماني، فيما الأخير أكثر تفهّماً واستيعاباً واحتراماً للمرأة. أعيش وكثيرات في حيرة. حتى الشباب يفكرون بالطريقة نفسها. لا هم جاهزون للارتباط بفتاة ألمانية، ولا هم مرتاحون للارتباط بإبنة بلدهم".



في هذا الإطار، أقدم عدد من السوريات على الطلاق بعد وصولهن إلى ألمانيا لأسباب عدة. شعر البعض باكتفاء مادي علماً أن الحكومة الألمانية تقدّم لهن مبلغاً مالياً شهرياً، أو لأنهن كن أصلاً على خلاف مع أزواجهن قبل وصولهن إلى ألمانيا. وبمجرد وصولهن إلى البلد الجديد، شعرن بالحرية وقد تحررن من الضغوط الاجتماعية، فقررن الطلاق.

واجهت أخريات ظروفاً صعبة في الغربة، ولم يستطعن الصمود واخترن الطلاق. بطبيعة الحال، هناك أسباب عدة لطلاق السوريّات. لكن المطلّقة تعاني من وحدة صعبة. فلا هي قادرة على الزواج بسرعة من رجل آخر، ولا الاستمرار من دون شريك. كذلك، غالباً ما تكون المرأة المطلقة أماً، وبالتالي تسعى إلى إعطاء أولادها الوقت الذي يحتاجون إليه.

في هذا الإطار، تقول هناء من سورية إن المشكلة الأساسية تكمن في انعدام الدعم العاطفي من الأسرة "هنا، لا يوجد أحد قادر على مواساتي أو مساعدتي في رعاية أطفالي كما هو الحال في بلدنا". تضيف: "بعد الطلاق، وجدت نفسي وحيدة مع ثلاثة أطفال. الحياة هنا في ألمانيا مليئة بالصعوبات على الصعيدين الشخصي والمهني. فكيف يكون الأمر بوجود أطفال؟". تتابع أن الوحدة والمسؤولية أمران يصعب تحملهما معاً. وترى كثيرات أن الوحدة والمسؤولية في ألمانيا تختلفان عن الوحدة والمسوؤلية في سورية، خصوصاً أن الأسرة والأصدقاء والجيران يشكلون رابطة دعم، وإن كانت ضاغطة في بعض الأحيان.

إلى ذلك، تقول الباحثة الاجتماعية أندريهة بوخا لـ "العربي الجديد" إن الصعوبة التي يواجهها السوري، سواء أكان رجلاً أو امرأة هي بالدرجة الأولى إيجاد هويته من جديد. أولئك القادمون من حرب، كما هو حال السوريين، يعانون من أمور عدة دفعة واحدة، وهي الشوق بالدرجة الأولى ثم ضياع الهوية والانتماء وغيرها. تضيف أنه "بالإضافة إلى الاختلاف الثقافي، هناك اللغة والمشاكل النفسية التي يعاني منها كثيرون عاشوا الحرب ورأوا مجازر مروعة، خصوصاً النساء والأطفال الذين يكونون أكثر تأثّراً، وهذا أمر طبيعي". وتشير إلى أن "المجتمع السوري يعيش حرباً أهلية. بالتالي، فإن انعدام الثقة بين أفراده أمر متوقع. تجدهم يرغبون في التواصل مع بعضهم بعضاً. وفي الوقت نفسه، يشعرون بالخوف ما يجعلهم يتراجعون عن القيام بأي خطوة"، لافتة إلى أن غربتهم تجعلهم يعيشون الكثير من التناقضات.

دلالات
المساهمون