تُسجَّل حركة نزوح كثيفة من ريف إدلب الجنوبي، شمال غربي سورية، مع كلّ الألم الذي يحمله المهجّرون معهم بعد اضطرارهم إلى ترك منازلهم، ما يدفع "منسّقي الاستجابة" إلى دقّ ناقوس الخطر والتحذير ممّا يخبّئه الغد.
على الطريق الدولي دمشق - حلب الذي يجتاز إدلب في الشمال السوري ويقسمها إلى جزأين، تكثر المركبات المحمّلة ما استطاع أهالٍ في ريفَي إدلب الجنوبي والشرقي وبعض قرى جبل الزاوية نقله من متاع وأثاث، في خلال نزوحهم إلى حيث الأمان النسبي في الأراضي الزراعية أو في ما بقي من أماكن شاغرة في المخيمات المتخمة بالنازحين. وقد أفاد فريق "منسقو استجابة سورية"، يوم الجمعة الماضي، بأنّ أكثر من 2147 عائلة مؤلّفة من 11 ألفاً و812 فرداً نزحت من ريف إدلب في خلال 24 ساعة، موضحاً أنّ النازحين بمعظمهم ما زالوا على الطرقات الرئيسية وفي العراء، ليرتفع عدد العائلات النازحة في خلال نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم إلى 11 ألفاً و252 عائلة مؤلّفة من 61 ألفاً و229 فرداً.
وأشار "منسقو الاستجابة" إلى أنّ الفرق الميدانية ما زالت تواصل إحصاء النازحين الفارين في اتجاه المناطق الآمنة، على الرغم من المصاعب الكبيرة التي تواجهها في عملها، في ظل استهداف الطيران الحربي الروسي، وكذلك التابع لقوات النظام للمنطقة. وناشدوا "كل الجهات والفاعليات المحلية تأمين مراكز إيواء للنازحين وفتح المدارس والمخيّمات لهم بشكل عاجل لاستيعاب تدفّقهم المستمر من ريف إدلب الجنوبي، محذّرين من استهداف جديد للمدن الكبرى في شمال غربي سورية، وبالتالي احتمال حصول موجات نزوح ضخمة جديدة تصعب السيطرة عليها.
سامح الحسن (21 عاماً) من مدينة كفرنبل في جبل الزاوية، اضطر إلى النزوح مع أهله وأقاربه إلى بلدة الدانا الحدودية مع تركيا، بعد قصف مكثّف طاول مدينته، سواء من خلال القصف الجوي أو المدفعي. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ذلك جعلنا نترك منزلنا وننزح إلى الريف الشمالي. فنحن تعرّض منزلنا لغارة جوية، فيما احتُجز أخي تحت الأنقاض قبل أن نخرجه بمساعدة الدفاع المدني، وهذا ما جعلنا نقرّر النزوح فوراً". لكنّ الحسن ينتقد بعضاً من سكان المناطق الحدودية بسبب استغلال أوضاع النازحين من خلال رفع بدلات إيجار المنازل، شارحاً أنّ "متوسّط إيجار المنزل يراوح ما بين 100 دولار و150. وتلك المبالغ كبيرة لا يستطيع النازحون تحمّلها. من جهتنا، استأجرنا، إخوتي وأنا، منزلاً واحداً لقاء 150 دولاراً، لتعيش فيه عائلاتنا الخمس". ويشير سامح إلى أنّ "صعوبة الأوضاع التي يعيشها النازحون في ظلّ شحّ المواد الأساسية وغلائها، ولا سيّما مع بدء اشتداد البرد. فلا مازوت للتدفئة، أمّا الحطب فارتفعت أسعاره جداً، والنازح غير قادر على تحمّل كل ذلك".
أمّا أحمد شحّاد، فهو من قرية معرشورين في ريف معرة النعمان الشرقي، يخبر "العربي الجديد" أنّه نزح قبل أيام نتيجة القصف للمرّة الثانية على التوالي في اتجاه المناطق الحدودية شمالاً، بخلال ثلاثة أشهر. يضيف: "في هذه المرّة، تنزح من جديد، عائلتي وعائلات أخوالي وأعمامي إلى قرية أمّ الريش في ريف جسر الشغور، خصوصاً بعد حديث عن معركة مرتقبة وفي ظل القصف اليومي الذي تتعرّض له المنطقة عموماً". يضيف شحّاد: "القصف لم يعد محمولاً، وأطفالنا بلا مدارس ولا أمان. كلّ ذلك دفعنا إلى النزوح على الرغم ممّا يتخلله ذلك من مشقّة وعناء وابتعاد عن الديار"، لافتاً إلى أنّ "سكان القرى المحيطة بنا نزحوا بمعظمهم إلى أقصى الشمال، ما يجعل الوضع كارثياً مع الأحوال الجوية القاسية".
من جهتها، نزحت خيرية المحمد من الريف الجنوبي لإدلب، وهي اليوم في العراء، تحت أشجار الزيتون بالقرب من قرية عقربات في ريف إدلب الشمالي المتاخم للحدود التركية. هي تركت قريتها مع زوجها المسنّ واثنَين من أبنائها مع زوجتَيهما وأولادهما وكذلك زوجة وأولاد ابن ثالث مفقود منذ ستة أعوام. تقول لـ"العربي الجديد": "نصبنا ما يشبه الخيمة، وهي لا تقينا الأمطار ولا البرد القارس، بالإضافة إلى عدم توافر الحاجيات الأساسية من حليب أطفال وحفاضات ومواد غذائية عموماً". وتوضح أنّ "ثمّة سبعة أطفال صغار بين أحفادي، وأبنائي توقّفت أعمالهم بسبب النزوح، علماً أنّهم في الأساس عمال لا يؤمّنون إلا قوت كل يوم بيومه". يُذكر أنّ كثيرين مثل خيرية المحمد لجأوا إلى الأراضي الزراعية وبساتين الزيتون في قرى حزانو وعقربات ومعرتمصرين وغيرها، فهؤلاء لا يملكون ما يكفي من المال لاستئجار منزل في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل كبير.
في السياق، يقول رئيس المكتب الإعلامي في المجلس المحلي لمدينة كفرنبل، فادي الخطيب، لـ"العربي الجديد" إنّ "الوضع الأمني في كفرنبل - على سبيل المثال - بات كارثياً، فالدخول إلى المدينة اليوم بات يشبه المجازفة في ظل تحليق طيران الاستطلاع ورصد أيّ حركة ومن ثَمّ استهدافها، وهو ما أدّى إلى حركة نزوح كبيرة، فباتت المدينة شبه خاوية من السكان". يضيف أنّ "المدينة تُقصَف منذ شهرين بوتيرة يومية وبكل أنواع الأسلحة، وتُسجّل أحياناً 20 غارة في اليوم الواحد، الأمر الذي زاد الدمار في المدينة"، شارحاً أنّ "40 في المائة من كفرنبل كان مدمّراً، أمّا اليوم فتصل نسبة الدمار إلى نحو 70 في المائة، ويطاول ذلك المرافق العامة والممتلكات الخاصة. وثمّة أحياء كثيرة تغيّرت معالمها". ويوضح الخطيب أنّ "سكان المدينة نزحوا بشكل كامل، ومن بقي لا يتجاوز 20 عائلة نحاول تأمين خروجهم من المدينة من طريق توفير المال لذلك من متبرّعين". ويلفت الخطيب إلى أنّ "القصف والنزوح أمران معهودان في قرى جنوب إدلب، غرباً وشرقاً".