السويد... رؤية لسياسة خارجية "نسوية إنسانية ملتزمة بالحقوق"

26 اغسطس 2018
الحكومات المتعاقبة تحمي حقوق المرأة (ناصر السهلي)
+ الخط -
تتسابق الأحزاب في السويد قبل الانتخابات العامة يوم 9 سبتمبر/ أيلول المقبل، بما يشبه الماراثون، في تبنيها سياسة نسوية متخذة من الكاتبة الشهيرة الراحلة أستريد ليندغرين مثالاً، باعتبارها الأم الروحية لشخصية "بيبي ذات الجورب الطويل"، تلك الفتاة الصغيرة بشعرها الأحمر، التي تعبر عن "القوة والاستقلالية الأنثوية".

والمفارقة التي تمكن ملاحظتها في المجتمع السويدي الذي يطرح نفسه ومنذ سنوات على أنه في مقدمة الساعين للمساواة بين الرجل والمرأة، أن النساء يشغلن في برلمانه 44 في المائة من المقاعد، ولم يحققن المناصفة مع الرجال، على الرغم من أن الاتجاهات الفكرية كافة، من اليمين إلى اليسار، تتبنّى خطاب ورؤية ليندغرين، لما تمثله في الوعي الشعبي السويدي على مدى 70 عاماً، منذ اختراعها شخصية بيبي القوية وقصصها الأخرى في أدب الأطفال التي يقرأها الكبار بنهم في هذا البلد الاسكندنافي.

ويعتبر ساسة السويد، نساءً ورجالاً، في تعليقاتهم أثناء الحملة الانتخابية الحالية أن "بيبي تمثل قدوة وملهمة"، كما عبّرت عضوة البرلمان عن الحزب الليبرالي بيرغيتا أولسون. أما بالنسبة لرئيس الوزراء الديمقراطي، ستيفان لوفين، فإن "قوة بيبي في الأدب تتماشى مع سياسات المساواة التي تطبّق في السويد". وترى الشخصية السياسية البارزة من حزب البيئة اليساري، إيزابيلا لوفين، أن مكانة هذه الشخصية الأدبية مهمة في حياة السويديين فـ"بيبي قوية وحرة ومستقلة، وأعتقد أنها تعني كثيراً، وأكثر مما كنت أتصوره بخصوص المساواة بين الرجل المرأة".

على تلك الخلفية، وبعيداً عن السجال حول سياسات الهجرة والاندماج بين مختلف الأحزاب المتنافسة يأتي تقرير رسمي سويدي عرضته وزيرة الخارجية مارغوت فالستروم، يوم 23 أغسطس/ آب الجاري، ليعرض أهداف وإنجازات بلدها خلال الأعوام الأربعة الماضية المتعلقة بالطابع النسوي للسياسات الخارجية تحت عنوان "كتيب حول انطلاق سياسة خارجية نسوية (فيمنيزم)". فـ "المرأة والأنثى مهددة أكثر فأكثر في عالم تتراجع فيه المساحة الديمقراطية، لذلك تصبح السياسة الخارجية الفمينزمية (نسوية الطابع) أكثر إلحاحاً، وآمل أن يكون هذا الكتيب خطوة مساعدة لنا جميعاً، ولمن يرغب في استمرار الكفاح من أجل عالم تسوده المساواة"، بحسب فالستروم التي عرضت معاني انتهاج سياسة خارجية نسوية.

وبطريقة عرض تحتوي خبرات وما يشبه الإرشادات يعرّف هذا الكتيب الأول من نوعه حول العالم، السياسة الخارجية السويدية المستندة أساساً على تعميق قضايا حقوق المرأة والمساواة.


الحقوق والمساواة في المقدمة

منذ أن أطلقت حكومة اليسار ويسار الوسط في استوكهولم في عام 2014 سياسة أكثر التزاما بالمسائل الحقوقية العالمية، ومن بينها حقوق الإنسان وحقوق المرأة والناشطين في صفوف المنظمات غير الحكومية، أو المجتمع المدني، ربطت العلاقة مع الدول الأخرى بمدى التزام مجتمعاتها وحكوماتها بتلك الحقوق. ودخلت وزيرة الخارجية في صدام مع أكثر من طرف دولي، وكان أبرزها ذلك التأزم في 2015 مع الرياض وأبو ظبي بعد طلبها من العاصمتين الخليجيتين انتهاج سياسة تعتمد منع توريد السلاح للحرب اليمنية، وما نجم عنه من استدعاء الدولتين لسفراء السويد. ويعتبر ذلك المثل أحد أهم الأمثلة التي تسوقها وسائل الإعلام السويدية لشرح معاني تأثير السياسة النسوية الخارجية للسويد.

المقصود في انتهاج هذه السياسة الخارجية تأكيد الأولوية التي تضع المساواة بين النساء والرجال ضمن أهم منجزات مجتمع الحقوق والعدالة، الأمر الذي يبرزه الكتيب الذي نشر على الموقع الرسمي للحكومة السويدية، من خلال عرضه أمثلة عن طبيعة الأعمال التي قامت بها ممثليات السويد ومنظماتها حول العالم وفي داخل البلد، ربطاً بأهداف حقوقية أساسية.

انطلقت هذه السياسة في أكتوبر/ تشرين الثاني 2014، باعتبار حقوق الإنسان معيارا للعلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف. وعرض الكتيب استراتيجية السويد في دعمها أسس الديمقراطية والعدالة حول العالم، من خلال التأثير على منظمات المجتمع المدني، وتعزيز حقوق المرأة تبعاً لمواثيق حقوق الإنسان. كذلك يؤكد الكتيب أهمية نفوذ استوكهولم في منع تسليع المرأة جنسياً من خلال التعاون مع 135 دولة في هذا المجال. ويبرز "عمل السويد لمنع العنف الذكوري ضد الإناث، وتعزيز قدرة الدول على ملاحقة مرتكبي العنف، حتى العسكريين منهم، مع تأكيد بلدنا على مساهمته في نشر الوعي ضد نشر السلاح المستخدم لاستهداف النساء والأطفال كأول ضحاياه من خلال 300 التزام".

انتقاد السعودية مثالاً

وفي هذا السياق، يبرز موقف السويد المنتقد للسعودية والداعي لوقف تصدير السلاح، بناء على هذه النسوية في السياسة الخارجية، بهدف "العمل من أجل السلام بدل العنف والحرب، سواء في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية أو آسيا وأفريقيا، ومن خلال تشجيع الأصوات النسوية المعارضة للحروب والداعية لنشر السلام بالتعاون مع مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي".

ويركز الكتيب أيضاً على "تعزيز المشاركة السياسية في عدد من الدول، من خلال دعم الحركات النسوية المساندة لنشر والدفاع عن حقوق الإنسان، وتعزيز ودعم مباشر لحق التعبير عن الرأي والمساهمة في خلق بيئة وأدوات للمساواة".

وانطلاقاً من ذلك، انتقدت السويد في أكثر من مناسبة السجل الحقوقي للسعودية، وأبرزت صحافتها قضية المعارض والناشط المعتقل في السجون السعودية رائف بدوي، ما أدى أحياناً إلى تأزم العلاقة بالرياض. وتشير الصحف السويدية والمختصون بهذه السياسة السويدية إلى أن "الاعتراف بدولة فلسطين جاء أيضاً ضمن تلك التوجهات التي قادها الاجتماعي الديمقراطي، وبدأت ملامح تطبيقها منذ 4 أعوام".


تمكين وقرار مستقل

وعلى صعيد التنمية في العلاقات الخارجية، وتحت عنوان "التمكين الاقتصادي"، يبرز الكتيب دور السويد في "دعم تعليم الإناث وتشغليهن ضمن رؤية تنموية ممولة لأجل الوصول في 2030 إلى مساواة في الحقوق والفرص بين الذكور والإناث، بما في ذلك المسائل المتعلقة بالأعمال والتجارة وتنظيم المشاريع المستدامة".

وتشير السويد كذلك إلى تأثير سياساتها الداخلية الحقوقية في المساواة، خصوصاً في مجال حماية الإناث من الاعتداءات الجنسية والإجبار على الحمل أو الإجهاض "لتكون مثلاً يحتذى بالعمل مع مختلف الاتجاهات حول العالم لنشر حركة عالمية تتعلق بالقرار المستقل للسيدات بعنوان#SheDecides والسعي لخلق قطاعات صحية أفضل للنساء وتدريب مزيد من القابلات القانونيات ونشر المعرفة الجنسية والوقاية من الإجهاض الخطر".

وإلى جانب المنظمات السويدية يبرز دور "الدبلوماسية العامة" السويدية في مجال نشر "السياسة الخارجية النسوية"، عبر التواصل والعلاقات العامة والحملات الإعلامية "لتعزيز دور النساء في نشر السلام حول العالم من خلال مزيد من المشاركة النسوية MoreWomenMorePeace".

ويرصد الكتيب كذلك في 109 صفحات، أن 104 دول تعيق بعض قوانينها مشاركة النساء في بعض الأعمال، مثل البناء والطاقة والزراعة والمواصلات والمناجم والمصانع وغيرها. وفي 18 دولة يمكن للرجال قانونياً منع زوجاتهم من الخروج إلى سوق العمل، وفي 59 بلداً ليست هناك قوانين تعاقب أو تمنع التحرش الجنسي في العمل، وفي 37 بلداً لا توجد قوانين تمنع تسريح النسوة الحوامل من الوظائف، وفي 45 بلداً لا توجد قوانين مانعة لممارسة العنف المنزلي بحق النساء.

كذلك سجل الكتيب أنه في عام 2017 تسلمت 17 سيدة زمام قيادة أو رئاسة بلدانهن فقط. ولاحظ الكتيب أنه في شهر فبراير/ شباط الماضي لم تتمثل المرأة من بين 193 بلداً بشكل جيد سوى في رواندا وكوبا وبوليفيا، فيما حلت السويد سابعاً بنسبة تمثيل تصل إلى 43،6 في المائة. وفي السياق التمثيلي ذاته يلحظ الكتيب أنه في الفترة 1992 إلى 2011 كان 90 في المائة من المفاوضين حول شتى طاولات التفاوض حول السلام في العالم ذكوراً. 

المساهمون