الهجرة واللجوء فرضا على كثير من السوريين العمل بعيداً عن بلادهم. بعضهم ترحب بلاد اللجوء بهم كحال الأطباء
أطباء سوريون كثيرون يمارسون مهنتهم في ألمانيا، لحاجتهم هم أنفسهم إلى تطوير مهاراتهم وإلى مورد رزق كافٍ لهم، ولحاجة المستشفيات الألمانية إليهم كذلك.
من هؤلاء الطبيب أيهم الذي يعمل في مستشفى تورنغن. يبدو مرهقاً ومتعباً بين متابعة الأوراق القانونية اللازمة، وبين المرضى الذين سيعاينهم، وبين عائلته التي ينوي جلبها من سورية، وبين اللغة الجديدة التي لم "تأخذ على لساني بعد" كما يقول. مدير المستشفى قبل به مؤقتاً كطبيب متدرب ريثما ينهي امتحان اللغة المطلوب ومن ثم قد يمنح فرصة أكبر. يقول عن وضعه الحالي: "على الطبيب أن يعمل عشرة أضعاف ما يعمل الآخرون، مع هذا، أشكر الله أنّي وضعت قدمي على أول الطريق في ألمانيا خصوصاً أنّني طبيب مبتدئ".
كان أيهم في ملجأ للسوريين طالبي اللجوء. كان يرافق المرضى منهم إلى المستشفى ليساعدهم في توضيح أمراضهم وشكاويهم. وفي إحدى المرات سئل عن عمله ومستواه التعليمي حينما حاول مساعدة الطبيب الألماني في المستشفى في توصيف المرض. يقول: "ضحك الطبيب الألماني عندما كنت أصف المرض وقال لي: وما الذي تعرفه أنت عن هذا؟ فقلت له إنّي طبيب سوري... كانت هذه الكلمة هي مفتاح باب المغارة... باب المستشفى".
يتابع أيهم أنّ "أصعب الأمور كانت المراسلات التي توجّبت عليّ حتى أثبت أنّي فعلاً درست الطب، ففي آخر سنتين من دراستي انتقلت من سورية إلى مصر، وكان عليّ أن أبحث عن أوراقي في مصر لاستقدامها وترجمتها، لكنّ الطبيب الألماني ساعدني في كلّ الأمور القانونية، وبالفعل، تأكد أنّني درست الطب وأنهيت دراستي".
وبالرغم من شعور أيهم بامتنان كبير لما حصل عليه حتى اليوم، فإنّه يعاني من عدة أمور داخل المستشفى. يعلّق: "الأبرز مشكلتي مع المرضى المسنّين، فكثيرون منهم يرفضون أن يتعاملوا معي، أو حتى وقوفي إلى جانب الطبيب المسؤول كوني أجنبياً. إحدى المسنات قالت لي بصراحة وهي تبتسم: ليس لديّ أي شيء ضد الأجانب ولا أعاني مرض كراهيتهم كما غيري، لكنّي لا أثق إلاّ بالطبيب الألماني. بعضهم الآخر يشيح بوجهه ويرفض حتى أن أقدم له أبسط مساعدة طبية، وأحياناً أواجه الأمر نفسه مع الأمهات اللواتي يأتين بأولادهن إلى المستشفى للعلاج".
اقــرأ أيضاً
من جهة أخرى، يؤكد أيهم دعم فريق الأطباء والممرضين المستمر له. ويعزو ذلك الدعم إلى حاجة المستشفى للأطباء: "في مستشفى تورنغن، وهو مستشفى كبير لكنّه يقع في مدينة صغيرة، يعمل حالياً خمسة أطباء سوريين، عدا الروس والأوكرانيين". وبالفعل، كشفت إحصائيات عام 2015 الصادرة عن الرابطة الطبية الألمانية أنّ عدد الأطباء السوريين المسجلين في ألمانيا بلغ 2000 طبيب، ويتوقع أن تكون الأعداد أكبر حالياً لا سيما بعد وصول عدد كبير منهم في الموجة الأخيرة للجوء، وقد أصبح كثيرون منهم متمكنين من اللغة الألمانية.
يقول رئيس الرابطة الدكتور فرانك أولريخ: "صحيح أنّ عدد الأطباء في ازدياد لكنّ الحاجة إليهم تنمو بوتيرة سريعة". وبحسب إحصائيات 2015 الصادرة عن الرابطة، سجل ارتفاع عدد المتقدمين المسجلين أطباء في المجالس الطبية عن العام الذي سبقه، بشكل طفيف بنسبة 1.7 في المائة. وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد الحالات المعالجة بشكل مطرد، فبين عامي 2004 و 2014، ازداد عدد المرضى في العيادات إلى نحو 152 مليون حالة. كذلك، شهدت المستشفيات عدداً مماثلاً.
من جهتها، أجرت شركة الاستشارات "ديلويت" بحثاً توقعت فيه زيادة في عدد حالات مرضى الأمراض الداخلية بأكثر من 12 في المائة بحلول عام 2030. وتوقعت ازدياد احتياجات رعاية الشيخوخة. وتابعت أنّ عام 2015 كانت فيه نسبة المرضى الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً في المستشفيات 51.5 في المائة، وبحلول عام 2030، ستصل النسبة إلى 60.8 في المائة.
وفقاً للرابطة التي تنظم منح التراخيص الطبية، فإنّ نحو 300 شخص تقدموا بطلبات العام الماضي للحصول على تصاريح لممارسة الطب بشكل دائم مثل الأطباء الألمان. وتقدم 114 شخصاً بطلبات للحصول على تصاريح عمل مؤقتة تحت إشراف الجهات المختصة، وفي مكان عمل محدد. لكن، لا إحصائيات رسمية بعدد الأطباء الأجانب المسموح لهم بممارسة المهنة في ألمانيا.
من جهة أخرى، يؤكد أيهم أنّ عمل الطبيب في ألمانيا يتيح له فرصة التعرف إلى طرق جديدة في معاينة الحالات المرضية، ويكسبه خبرة معترفاً بها دولياً إذا أراد يوماً أن يترك ألمانيا.
كذلك، تؤكد الاستطلاعات أنّ فرصة الطبيب السوري قوية جداً لإيجاد عمل، كون الحاجة إلى الأطباء في ازدياد، لكنّ هذا يحتاج منه صبراً كبيراً لتعديل الشهادة والتدريب أو لإكمال دراسته الجامعية في مجال الطب بعدما كان قد درس سنتين أو ثلاثاً أو أربع سنين في سورية وانقطع عن الدراسة بسبب ظروف الحرب. يشير أيهم إلى أنّ هذه مشكلة أخرى يواجهها العديد من السوريين الذين لم يأتوا بأيّ أوراق تثبت أنّهم درسوا عدداً من السنوات في كلية الطب قبل أن يضطروا إلى الفرار.
اقــرأ أيضاً
أطباء سوريون كثيرون يمارسون مهنتهم في ألمانيا، لحاجتهم هم أنفسهم إلى تطوير مهاراتهم وإلى مورد رزق كافٍ لهم، ولحاجة المستشفيات الألمانية إليهم كذلك.
من هؤلاء الطبيب أيهم الذي يعمل في مستشفى تورنغن. يبدو مرهقاً ومتعباً بين متابعة الأوراق القانونية اللازمة، وبين المرضى الذين سيعاينهم، وبين عائلته التي ينوي جلبها من سورية، وبين اللغة الجديدة التي لم "تأخذ على لساني بعد" كما يقول. مدير المستشفى قبل به مؤقتاً كطبيب متدرب ريثما ينهي امتحان اللغة المطلوب ومن ثم قد يمنح فرصة أكبر. يقول عن وضعه الحالي: "على الطبيب أن يعمل عشرة أضعاف ما يعمل الآخرون، مع هذا، أشكر الله أنّي وضعت قدمي على أول الطريق في ألمانيا خصوصاً أنّني طبيب مبتدئ".
كان أيهم في ملجأ للسوريين طالبي اللجوء. كان يرافق المرضى منهم إلى المستشفى ليساعدهم في توضيح أمراضهم وشكاويهم. وفي إحدى المرات سئل عن عمله ومستواه التعليمي حينما حاول مساعدة الطبيب الألماني في المستشفى في توصيف المرض. يقول: "ضحك الطبيب الألماني عندما كنت أصف المرض وقال لي: وما الذي تعرفه أنت عن هذا؟ فقلت له إنّي طبيب سوري... كانت هذه الكلمة هي مفتاح باب المغارة... باب المستشفى".
يتابع أيهم أنّ "أصعب الأمور كانت المراسلات التي توجّبت عليّ حتى أثبت أنّي فعلاً درست الطب، ففي آخر سنتين من دراستي انتقلت من سورية إلى مصر، وكان عليّ أن أبحث عن أوراقي في مصر لاستقدامها وترجمتها، لكنّ الطبيب الألماني ساعدني في كلّ الأمور القانونية، وبالفعل، تأكد أنّني درست الطب وأنهيت دراستي".
وبالرغم من شعور أيهم بامتنان كبير لما حصل عليه حتى اليوم، فإنّه يعاني من عدة أمور داخل المستشفى. يعلّق: "الأبرز مشكلتي مع المرضى المسنّين، فكثيرون منهم يرفضون أن يتعاملوا معي، أو حتى وقوفي إلى جانب الطبيب المسؤول كوني أجنبياً. إحدى المسنات قالت لي بصراحة وهي تبتسم: ليس لديّ أي شيء ضد الأجانب ولا أعاني مرض كراهيتهم كما غيري، لكنّي لا أثق إلاّ بالطبيب الألماني. بعضهم الآخر يشيح بوجهه ويرفض حتى أن أقدم له أبسط مساعدة طبية، وأحياناً أواجه الأمر نفسه مع الأمهات اللواتي يأتين بأولادهن إلى المستشفى للعلاج".
من جهة أخرى، يؤكد أيهم دعم فريق الأطباء والممرضين المستمر له. ويعزو ذلك الدعم إلى حاجة المستشفى للأطباء: "في مستشفى تورنغن، وهو مستشفى كبير لكنّه يقع في مدينة صغيرة، يعمل حالياً خمسة أطباء سوريين، عدا الروس والأوكرانيين". وبالفعل، كشفت إحصائيات عام 2015 الصادرة عن الرابطة الطبية الألمانية أنّ عدد الأطباء السوريين المسجلين في ألمانيا بلغ 2000 طبيب، ويتوقع أن تكون الأعداد أكبر حالياً لا سيما بعد وصول عدد كبير منهم في الموجة الأخيرة للجوء، وقد أصبح كثيرون منهم متمكنين من اللغة الألمانية.
يقول رئيس الرابطة الدكتور فرانك أولريخ: "صحيح أنّ عدد الأطباء في ازدياد لكنّ الحاجة إليهم تنمو بوتيرة سريعة". وبحسب إحصائيات 2015 الصادرة عن الرابطة، سجل ارتفاع عدد المتقدمين المسجلين أطباء في المجالس الطبية عن العام الذي سبقه، بشكل طفيف بنسبة 1.7 في المائة. وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد الحالات المعالجة بشكل مطرد، فبين عامي 2004 و 2014، ازداد عدد المرضى في العيادات إلى نحو 152 مليون حالة. كذلك، شهدت المستشفيات عدداً مماثلاً.
من جهتها، أجرت شركة الاستشارات "ديلويت" بحثاً توقعت فيه زيادة في عدد حالات مرضى الأمراض الداخلية بأكثر من 12 في المائة بحلول عام 2030. وتوقعت ازدياد احتياجات رعاية الشيخوخة. وتابعت أنّ عام 2015 كانت فيه نسبة المرضى الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً في المستشفيات 51.5 في المائة، وبحلول عام 2030، ستصل النسبة إلى 60.8 في المائة.
وفقاً للرابطة التي تنظم منح التراخيص الطبية، فإنّ نحو 300 شخص تقدموا بطلبات العام الماضي للحصول على تصاريح لممارسة الطب بشكل دائم مثل الأطباء الألمان. وتقدم 114 شخصاً بطلبات للحصول على تصاريح عمل مؤقتة تحت إشراف الجهات المختصة، وفي مكان عمل محدد. لكن، لا إحصائيات رسمية بعدد الأطباء الأجانب المسموح لهم بممارسة المهنة في ألمانيا.
من جهة أخرى، يؤكد أيهم أنّ عمل الطبيب في ألمانيا يتيح له فرصة التعرف إلى طرق جديدة في معاينة الحالات المرضية، ويكسبه خبرة معترفاً بها دولياً إذا أراد يوماً أن يترك ألمانيا.
كذلك، تؤكد الاستطلاعات أنّ فرصة الطبيب السوري قوية جداً لإيجاد عمل، كون الحاجة إلى الأطباء في ازدياد، لكنّ هذا يحتاج منه صبراً كبيراً لتعديل الشهادة والتدريب أو لإكمال دراسته الجامعية في مجال الطب بعدما كان قد درس سنتين أو ثلاثاً أو أربع سنين في سورية وانقطع عن الدراسة بسبب ظروف الحرب. يشير أيهم إلى أنّ هذه مشكلة أخرى يواجهها العديد من السوريين الذين لم يأتوا بأيّ أوراق تثبت أنّهم درسوا عدداً من السنوات في كلية الطب قبل أن يضطروا إلى الفرار.