بيوت آمنة للإيرانيات المعنّفات

17 مارس 2015
لا تتقدّم المرأة بشكوى، فتبقى عرضة للعنف (فرانس برس)
+ الخط -

أكثر من ثلث النساء في العالم يتعرّضن للعنف بمختلف أنواعه، وفق ما تفيد تقارير لمنظمة الصحة العالميّة. فيُصَبْنَ بأضرار جسدية أو نفسية أو جنسية. وللمرّة الأولى في إيران، قرّرت مؤسسة الرعاية الاجتماعية القيام بخطوة عملية لحماية النساء والفتيات المعرّضات للعنف في المجتمع الإيراني، فأسست "بيوت آمنة".
حتى يومنا هذا، فُتح 18 بيتاً في أكثر من منطقة في كل أنحاء البلاد، لاستقبال الإيرانيات اللواتي لا يملكن مأوى بعد تعرّضهنّ لعنف جسدي أو نفسي. ويقول مدير شؤون المشكلات الاجتماعيّة في المؤسسة ولي الله نصر الله إن مزيداً من هذه البيوت ستُفتح في كل المحافظات الإيرانيّة بعد الحصول على التراخيص اللازمة، داعياً النسوة إلى الاستفادة من المساعدات التي يقدّمها المتخصصون فيها. يضيف أن "بعض الحالات المعرّضة للعنف لا تحتاج إلى مأوى بقدر ما تحتاج إلى استشارات نفسية محددة. لذا تنظّم حلقات تعليمية تخصصية في هذه البيوت، تهدف إلى تقوية روابط الأسرة الواحدة وتعليم مهارات التعايش والتحكم بالغضب. وتستطيع النساء وأزواجهنّ الانضمام إليها معاً".

بالنسبة إلى ليلا أرشد وهي إحدى المتخصصات المتطوعات في هذه البيوت، فإن "تأسيس مراكز من هذا النوع بات ضرورة. لكن الأهم اليوم هو الإعلان عن هذه المراكز". تضيف أن الدول المتقدّمة تضمن حماية للنساء المعرّضات للعنف، قائلة بوجوب أن تتحرّك إيران في هذا الاتجاه في وقت تضطر فيه إيرانيات كثيرات إلى مغادرة منازلهنّ بسبب الضغط والعنف. وترى أرشد أن "توفّر مأوى يعني تلافي وقوع مشكلات أخرى قد تنجم عن لجوء هذه الحالات إلى الشارع"، وتشدّد على "ضرورة زيادة عدد المراكز وتكثيف الحلقات الدراسيّة فيها واستقطاب عدد أكبر من المتخصصين".

والمسؤولون في إيران يدركون مدى صعوبة التعامل مع النساء المعرّضات للعنف بكل أشكاله، لا سيّما وأن الحالات بمعظمها لا يُبلّغ عنها. وقد لفتت مستشارة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة شهيندخت مولاوردي أخيراً إلى أن "عدم التعامل مع معنّفي المرأة يأتي نتيجة التغطية على هذه الجرائم من قبل الأقارب أو العائلة أو حتى المرأة نفسها، إذ إن العادات والتقاليد والدين تحكم العديد من العائلات الإيرانية. فتفضّل المرأة عدم تقديم شكوى، وهذا ما يجعلها عرضة للعنف طيلة حياتها".
من جهته، يلفت المتحدّث باسم اللجنة الحقوقية والقضائية في البرلمان الإيراني علي اسفناني إلى أن 35% فقط من الحالات تُبلّغ الشرطة بها وتُعالج قضائياً. ويقول إن "دراسات بعض المراكز التخصصية والكليات الاجتماعية تتحدث عن أن 9% من الإيرانيات في طهران معرّضات للعنف الجسدي والنفسي"، مضيفاً أنه "كلما ارتفعت نسبة التعليم بين الزوجَين كلما قلت نسبة العنف بينهما. لكن المفارقة هي في أنه كلما زاد معدل سنوات الزواج، كلما ارتفعت نسبة العنف الذي تتعرّض له المرأة".

وتظهر الدراسات التي أشار إليها اسفناني أن 52% من الإيرانيات اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 15 و44 عاماً في كل المناطق الإيرانية، يتعرّضنَ للعنف، و37% منهنّ للعنف الجسدي و27% للعنف اللفظي و10% للعنف الجنسي.
وثمّة تقرير رسمي يعود إلى عشرة أعوام مضت أجرته مؤسسة الإحصاء تحت عنوان "دراسة عوامل العنف المنزلي"، يشير إلى أن السنة الأولى من الزواج هي أكثر سنة تُعنّف فيها المرأة، ويزداد تعرّضها للعنف بعدما ترزق بطفلها الأول. ويعيد ذلك إلى عوامل كثيرة، منها ما يعود إلى مشكلات اجتماعية مختلفة تتسبب بعدم تحمل الرجل لمسؤولياته وهو ما يدفعه إلى تلك السلوكيات العنيفة. والرجل قد يكون الزوج أو الأب.

ويبقى أن عدم تقديم النساء الشكاوى هو مشكلة كبيرة تؤدي إلى التغاضي عن هذه الأفعال، بحسب ما يشدّد المعنيّون. والدستور الإيراني بحسب ما يقول رئيس جامعة "سوره" محمد روشن، "يقوم على الضوابط الدينية التي تحكم المجتمع في الجمهورية الإسلامية. ولما كان الإسلام يتحدث عن المساواة بين الرجل والمرأة، فمن شأن ذلك أن يشكل ضابطاً أخلاقياً يمنع هذا النوع من الاعتداءات على المرأة. وفي الوقت ذاته، يعطي الدستور المرأة حق الطلاق والانفصال في حال تعرّضت للضرب أو الشتم. كذلك لا يحق للزوج إجبارها على العودة في حال ثبتت ادعاءاتها، ويتوجّب عليه دفع نفقة لها وللأطفال بموجب القانون".
يضيف روشن لـ "العربي الجديد" أن النساء والأطفال عرضة للعنف في مجتمعات كثيرة، داعياً المعنيين إلى إقرار مشاريع أكثر لإرساء القوانين الدينية والدستورية. ويرى أن "فرض عقوبات متشدّدة على المتسببين في ذلك العنف، يستطيع أن يساعد في التقليص من هذه الظاهرة ويساهم في إنجاح خطة بيوت آمنة".
دلالات
المساهمون