الدروس التي يقدّمها متظاهرون مجاناً من داخل الساحة، صارت مقصداً لأولياء الأمور الذين يأتون بأطفالهم مع كتب ودفاتر للتعلم، خاصة أنّ المحاضرين من كلا الجنسين من خريجي الجامعات الذين لم يحالفهم الحظ في العثور على وظيفة حتى الآن.
المبادرة تأتي ضمن جهود يبذلها شباب العراق لإطلاق نشاطات مختلفة يكون لها الأثر الإيجابي في تصاعد نسبة الوعي لدى المجتمع.
وبإمكانات متواضعة، استطاع المتظاهرون نصب خيم خاصة داخل ساحة البحرية وسط البصرة، ووضعوا فيها سبورات تعليمية بسيطة، ووزعوا كراسات وأقلاما على الطلاب. يقول الناشط المدني هيثم الخرسان، لـ"العربي الجديد"، إنّ "فكرة إنشاء مدرسة لمحو الأمية داخل الساحة، جاءت بعدما وجدنا كفاءات مختلفة ضمن صفوف المتظاهرين، من كوادر تدريسية وكفاءات علمية، تقابلها أعداد كبيرة من الأميين الذين حرموا من حق التعليم، ولا سيما الأطفال منهم".
وأكد أنّ "الفكرة لاقت ترحيباً وتفاعلاً كبيرين، إذ رتب التدريسيون في الساحة جدول دروس يومية، يبدأ من تعليم القراءة والكتابة للأميين وصولا إلى دروس التقوية، كما تمت برمجة دروس خاصة لطلاب الجامعات الذين يحتاجون بعض المساعدة".
وأضاف "هناك إقبال كبير من قبل الطلاب الأطفال والفتيان، الذين جاؤوا إلى هذه المدرسة برغبة التعلم"، واعداً بأنه "سنسعى لتطوير هذا المشروع التعليمي، ومحو الأمية والجهل التي فرضها الواقع السياسي المرير على البلاد".
المتطوع علي جاسم يشارك في تقديم دروس تقوية لعدد من تلاميذ الابتدائية بالخيمة، قال لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك إقبالاً متزايداً من قبل الطلاب، وبسبب الخيمة اكتشفنا حجم الظلم وما سببته الحكومة لهذه الأجيال في ما يتعلق بالتعليم"، معرباً عن شعوره بمسؤولية كبيرة "فلا أريد ترك من يأتي متعلماً إلا وقد أخذ استفادة كبيرة من خيمة التعليم هذه"، وفق قوله.
وتسببت الظروف المعيشية التي مرت بها البلاد، من تهجير وبطالة وعدم توفر فرص عمل والفساد المستشري في البلاد، بارتفاع نسبة الأمية، وسط إهمال حكومي لهذا الجانب.
وبحسب مفوضية حقوق الإنسان العراقية، فإنّ 8 ملايين مواطن أغلبهم من الشباب لا يجيدون القراءة والكتابة، مشيرة إلى أن الأمية تركزت في مناطق النزوح والمحافظات المستعادة حديثًا من تنظيم "داعش" الإرهابي.
وسبق للجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية، أن أعلن أنّ نسبة الأمية بين الشباب في العراق بلغت 8.3% خلال عام 2017، موضحاً أنّ نسبة الذكور منها بلغت 6.5%، فيما شكلت نسبة الإناث منها 10.2%.
صلاح الفتلاوي (43 عاماً)، يقول لـ"العربي الجديد"، إنه يأتي بابنه للخيمة كل يوم "لتعلم شيء ما"، وأضاف "يمنحك المعلمون شعوراً بالثقة في مستوياتهم وأهدافهم النبيلة، ويمكنك تسليم ابنك لهم ليتعلم منهم، فهم مثقفون ومدنيون ويحبون الحياة والخير، على عكس كثير من المعلمين الذين جاءت بهم قرعة الأحزاب بالتوظيف يحقنون التدين الخطأ والانغلاق في رؤوس الطلاب".
من جهته، قال عضو نقابة المعلمين العراقيين سلام المالكي لـ"العربي الجديد"، إن خيمة البصرة التعليمية هي الثالثة، فهناك خيمة في بغداد وأخرى في الناصرية، مبيناً أن "هذه مبادرات لا علاقة للنقابة بها، لكنها تؤكد في الوقت نفسه على سلمية التظاهرات العراقية وأنها هادفة"، مشيراً إلى أن "مجموع من يتعلم بتلك الخيام عشرات الأطفال وحتى المراهقين والشبان الذين يرغبون بتطوير أنفسهم، وهذا مهم، ويؤكد مدى التقصير الحكومي".