مبادرات تعليمية في غزة... فصول الخيام تقاوم الحرب

16 سبتمبر 2024
تلميذات يدرسن فوق الركام بمدينة خانيونس (هاني الشاعر/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **مبادرات تعليمية ذاتية في غزة:** رغم ظروف الحرب، انتشرت مبادرات تعليمية بجهود ذاتية مثل "المدرسة الهاشمية" التي أنشأتها المعلمة فداء الزيناتي، وتستقبل نحو 300 طالب، وتهدف لاستمرار التعليم والتفريغ النفسي.

- **التحديات التي تواجه التعليم الافتراضي:** أطلقت وزارة التربية والتعليم العالي مدارس افتراضية، لكن تواجهها صعوبات مثل غياب الإنترنت والكهرباء، وصعوبات النازحين في تأمين ظروف تعليمية مناسبة.

- **قصص نجاح وتحديات مستمرة:** مبادرات مثل "مستمرون بالعلم والتعليم" لمحمد معين الخضري ومراد اللحام نجحت رغم قلة الإمكانيات، لكنها تواجه تحديات كبيرة مثل نقص القرطاسية والصدمات النفسية.

لم تمنع ظروف الحرب الصعبة في قطاع غزة انتشار مبادرات تعليمية بجهود ذاتية، تتكون من خيام تضم عدة صفوف وساحة صغيرة مغطاة بشوادر، يجلس فيها الطلبة على الأرض أو على مقاعد خشبية، ويهدف القائمون عليها لاستمرار العملية التعليمية، وإعادة الطلاب إلى الكتب بعد فراق قسري بسبب الحرب، فضلاً عن أهداف أخرى تتمثل بالتفريغ النفسي عبر اللعب.
وبدأت وزارة التربية والتعليم العالي خلال الأيام الماضية إطلاق مدارس افتراضية يلتحق بها طلبة قطاع غزة، وتركز على المباحث الأساسية لكل صف، كما تسعى لدمج عامين دراسيين في عام واحد. لكن كثيرين في غزة يعتقدون أن المبادرة محاطة بعوامل الفشل في ظل استمرار الحرب، وغياب الإنترنت والكهرباء، إضافة إلى الصعوبات التي تعترض النازحين لتأمين ظروف تعينهم على مواصلة تعليم أطفالهم.

وكشف بعض أصحاب المبادرات التعليمية لـ"العربي الجديد"، عن عروض تلقوها من مؤسسات مانحة دولية، عرضت تبني تلك المبادرات، ودفع رواتب المعلمين والمعلمات، في مقابل أن تقتصر برامجها على التفريغ النفسي، وألا تدرس المنهاج الفلسطيني، معتبرين أن ذلك "ابتزاز صريح". 
قرب شاطئ البحر بمنطقة مواصي خانيونس جنوبي القطاع، يتوسط شادر "المدرسة الهاشمية" التي أنشأتها المعلمة فداء الزيناتي خيام النازحين، وهي منسجمة مع واقع المعاناة بكل أشكالها، فهي مبادرة ذاتية، والمعلمات متطوعات يدفعهن الإصرار على أن يكون لهن دور في إعداد الجيل الجديد للمستقبل، ومواصلة العملية التعليمية.
تحولت الفكرة التي لمعت في ذهن المعلمة فداء الزيناتي إلى واقع قبل ثلاثة أشهر، وما زال التعليم فيها مستمراً. تقول الزيناتي لـ"العربي الجديد": "تمكن الطلاب من العودة إلى الكتب، وتناسوا قليلاً أجواء الحرب والخوف خلال الدوام اليومي. يدرس لدينا نحو 300 طالب وطالبة موزعين على فترتين صباحية ومسائية، من الصف الأول حتى الثامن، ونقوم بتدريس المنهاج الفلسطيني لمواد اللغة العربية والرياضيات واللغة الإنكليزية، مع إضافة مادة قيم وسلوك لمعالجة السلوكيات التي ظهرت خلال الحرب". 

وتصف الزيناتي خطة "الفصول الافتراضية" التي أعلنتها وزارة التربية بأنها "غير ناجحة" لأسباب من بينها ضعف الإنترنت، وعدم وجود أجهزة لوحية أو هواتف، كما أن شحن تلك الأجهزة حال توفرت يكلف مبالغ مالية كبيرة بالنسبة للعائلات التي أرهقتها الحرب. وترى أن "الحل لإنقاذ هذا الجيل هو وجود قيادة مركزية تتابع المبادرات التعليمية، وتمارس رقابة على المحتوى التعليمي حتى لا تتحول إلى مشاريع تجارية هدفها جمع التبرعات".  
يؤيد النازح محمد أبو عائد واقع فشل "الفصول الافتراضية"، ويتساءل: "كيف أحضر جهازاً لوحياً لأطفالي؟ معظم هواتفنا تعطلت بسبب الحرب، كما أن هناك صعوبات جمة في توفير الإنترنت والكهرباء. أرسلت أطفالي الثلاثة إلى مدرسة أنشأت بمبادرة ذاتية في المخيم، آملاً ألا ينسوا التعليم. لكن بعد عدة أسابيع لم ألحظ أي تغيير في مستواهم التعليمي، لكني لاحظت حجم التفريغ النفسي". 
يضيف أبو عائد لـ"العربي الجديد": "كنت آمل أن يتعلم أطفالي بعد أن أمضوا عاماً بعيداً عن التعليم، ومهما كان دور الأهل لن يكون مثل المدرسة، خاصة في ظروف الحرب حيث الجميع مطحونون في تعبئة المياه وجمع الحطب. كل ما أريده أن أجد مدرسة لتعليم أبنائي اللغة العربية والرياضيات لمدة ساعتين يومياً". 

فصل دراسي داخل خيمة نزوح في جباليا (عمر القطاع/فرانس برس)
فصل دراسي داخل خيمة نزوح في جباليا (عمر القطاع/فرانس برس)

وبمبادرة ذاتية بمساعدة أربع معلمات، أنشأ مراد اللحام مدرسة لتعليم أطفال الصف الأول من عمر خمس سنوات، ورغم أن الخيام الثلاث التي أنشأها تخلو من المقاعد، إلا أن الكثير من الأهالي أرسلوا أطفالهم إلى المدرسة، وجلس الأطفال على الرمال لتلقي التعليم، مدركين أهميته رغم ظروف الحرب. 
يقول اللحام لـ"العربي الجديد": "بدأنا ببرنامج تعليمي يتمثل في تعليم الطلاب الحروف وتكوين الكلمات، ثم أدخلنا مادة الرياضيات، وبدأنا تركيب الأرقام والمسائل الحسابية، ووصل عدد المستفيدين إلى قرابة 200 تلميذ، وهم ينتظمون في فترتين، الأولى من 7 إلى 9 صباحاً، والثانية من 9 إلى 11 صباحاً، ونحن على تواصل مع الأهالي، ونعقد معهم جلسة كل ثلاثة أسابيع لبحث التعاون في تحسين مستوى الطلاب". 
لا يتلقى اللحام أي رسوم من الأهالي مقابل تعليم أبنائهم كون المبادرة مجانية، لكنه لم يخفِ أمله بأن يجد مؤسسة تقدم الدعم في توفير القرطاسية والمقاعد، وبعض المكافآت للمدرسين. وأخيراً، منحت المدرسة الصغيرة طلابها إجازة لمدة أسبوع، كي تستعد لانتظام العام الدراسي الجديد في 20 سبتمبر/ أيلول. 
وحول العقبات، يوضح اللحام: "لدينا مساحة أرض، وبيئة تعليمية مناسبة، لكن لا توجد مقاعد، والأطفال يجلسون على الرمال لأننا لم نجد من يطور المدرسة. نواصل العمل رغم قلة الإمكانيات، وعلى الأقل، استطعنا أن نمكن التلاميذ من استرجاع بعض ما افتقدوه بسبب الحرب".

تلاميذ داخل مدرسة مدمرة جزئياً في مدينة غزة (مؤمن فايز/الأناضول)
لاميذ داخل مدرسة مدمرة جزئياً في مدينة غزة (مؤمن فايز/الأناضول)

وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في بيان سابق، إن 76% من مدارس قطاع غزة بحاجة إلى إعادة بناء أو تأهيل قبل أن تتمكن من العمل مجدداً، وإن العدوان الإسرائيلي حرم نحو 39 ألف طالب في قطاع غزة من التقدم لامتحان الثانوية العامة خلال العام الدراسي الماضي. 
وأدت الحرب المتواصلة إلى استشهاد أكثر من 10 آلاف من طلبة المدارس والجامعات، فيما استشهد 400 معلم و150 من كوادر الجامعات، ومنذ بداية العدوان، حُرم أكثر من 620 ألف طالب في قطاع غزة من الالتحاق بمدارسهم، وبحسب المعطيات الرسمية، فقد دمر الاحتلال 122 مدرسة وجامعة بشكل كلي، و334 مدرسة وجامعة بشكل جزئي. 
من ضمن المبادرات التعليمية البارزة مبادرة "مستمرون بالعلم والتعليم" لصاحبها محمد معين الخضري، والذي تعرض منزل نزح إليه في حي الشجاعية لقصف إسرائيلي في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، واستشهد فيه عدد من أفراد عائلته. خرج الخضري من تحت الردم والركام، لينزح إلى مدينة دير البلح (وسط)، وهناك قرر إكمال مبادراته التعليمية، وتوسيع المراكز التعليمية التي أنشأها، حتى وصل عددها إلى سبعة مراكز، وهو يعمل حالياً على متابعة خمسة مراكز بعد توقف مركزين في محافظة رفح عقب اجتياح الاحتلال للمدينة.
يقول الخضري لـ"العربي الجديد": "دفعتني المسؤولية المهنية إلى أن يكون لي بصمة بعد تدمير العملية التعليمية في القطاع، وانطلقت المبادرة بشكل مصغر، ولم تتجاوز في البداية خمسين طالباً من أطفال الحي، وكان العدد يتراوح بين الزيادة والنقصان بسبب المخاوف والنزوح. كان هدفي شحن الإصرار الذي تحلى به الأهالي على تعليم أولادهم، وأن يضم كل مركز تعليمي ما بين 100 و120 طالباً يتلقون المنهاج الفلسطيني، ولم يخل الأمر من صعوبات كبيرة، من بينها القصف المستمر، ونقص القرطاسية والمقاعد الدراسية، والصدمات النفسية التي يعيشها الطلاب، وكنا نحاول رأب فجوة التعليم".
يتابع: "بدأت مبادرتي بجهد ذاتي، ولاحقاً شهدت اهتماماً من مؤسسات تعليمية رسمية، فضلاً عن مؤسسات عربية ودولية لها مكاتب في قطاع غزة، ما ساعد في استكمالها. المبادرات التعليمية شمعة في وسط الظلام، لكنها لا تغني عن التعليم الرسمي، ولا يمكن الاعتماد عليها كصدرا رئيسيا، بل هي محاكاة للعملية التعليمية، والحل يتمثل بوقف الحرب من أجل إعادة الطلاب إلى المدارس، حتى لو كانت عبارة عن خيام".

وجدت الفلسطينية أصيل سلامة في المبادرات التعليمية فرصة لنقل موهبتها في الكتابة الإبداعية للطلاب، وهي تعمل في مخيم تعليمي يقدم عدة أنشطة فنية وثقافية ورياضية تستهدف طلاب المرحلة التأسيسية الأولى. تقول لـ"العربي الجديد": "أسلوب المبادرة غير تقليدي، ويعتمد على الفنون والثقافة واللعب والغناء، ما يجعل الطالب قادراً على التعبير، ويخفف الضغوط الواقعة عليه، لكنها ليست بديلاً عن المدرسة التي تستهدف كل أبناء المجتمع، بينما تعمل هذه المبادرات داخل مراكز الإيواء، ولن يكون بمقدور الأطفال الذين يعيشون خارج تلك المراكز الانخراط فيها".

المساهمون