روسيا تكافح "الشقق المطاطية"

28 يناير 2018
معظمهم من جمهوريات وسط آسيا (ناتالي زيمبوسكا/ فرانس برس)
+ الخط -
تواصل السلطات الروسية منذ بضع سنوات حملة مكافحة ما يعرف بـ"الشقق المطاطية" التي تستخدم كمحلات إقامة وهمية للمهاجرين هدفها استيفاء الشروط المطلوبة للعمل في روسيا. ومع بداية العام الجديد، أصدرت محكمة مدينة نوفوسيبيرسك حكماً بالسجن عامين مع وقف التنفيذ بحق ثلاثة أشخاص لإدانتهم بتسجيل إقامة عشرات المهاجرين في الشقق نفسها، بهدف تقنين أوضاعهم في البلاد.

في العاصمة موسكو، جرى توقيف شخصين مشتبه بضلوعهما في تسجيل إقامة نحو 30 مهاجراً في شققهم، كما يواجه مالك "شقة مطاطية" في جمهورية موردوفيا سجناً لمدة ثلاث سنوات بسبب تسجيله سبعة أجانب في بيته الصغير.

في نهاية العام الماضي، داهم أفراد الأمن في مدينة سان بطرسبرغ العاصمة الشمالية الروسية، شقتين كان يقطنهما 57 أجنبياً. أما الرقم القياسي المطلق، فيعود إلى مدينة أوسوريسك، إذ جرى تسجيل إقامة وهمية لألفي مهاجر من الصين وبلدان رابطة الدول المستقلة في شقة واحدة!

في أحيان كثيرة، يلجأ المهاجرون من آسيا الوسطى إلى قبول تسجيلهم بمحال إقامة وهمية من أجل العمل في روسيا في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في بلدانهم. ومع تشديد تطبيق قوانين الإقامة والهجرة، يضطر بعض المهاجرين للعمل بصورة غير شرعية، ما يعرضهم لخطر الاعتقال والتغريم، ناهيك عن مخاطر النصب من قبل أرباب العمل، والإقامة في ظروف غير إنسانية وغير آمنة.

مع ذلك، يعتبر رئيس اتحاد المغتربين في روسيا، رينات كريموف، أنّ إجراءات مكافحة "الشقق المطاطية" تستهدف بالدرجة الأولى أصحاب هذه الشقق، من دون أن تغير أوضاع المهاجرين نحو الأفضل أو الأسوأ. يقول كريموف في حديث إلى "العربي الجديد": "منذ بدء تطبيق المسؤولية الجنائية عن تسجيل الأجانب بمحلات إقامة وهمية، بات أصحاب الشقق المطاطية مستهدفين، لكنّ أوضاع المهاجرين لم تتغير، وما زالوا يقيمون بشكل جماعي في شقق صغيرة وبلا عقود إيجار رسمية، ويعملون من دون عقود أيضاً".

يوضح كريموف أنّ مساكن المهاجرين أصبحت أقل عرضة للتفتيش منذ قررت المحكمة الدستورية الروسية مراجعة بند القانون رقم 109 (تسجيل المواطنين الأجانب والأشخاص بلا دولة في روسيا الاتحادية) الذي يلزم الأجانب بتسجيل أنفسهم بمحل الإقامة خلال سبعة أيام عملاً من تاريخ وصولهم.

من بين المشاكل الأخرى التي يواجهها المهاجرون في روسيا، يشير كريموف إلى ضعف تسامح الروس معهم: "كان سكان الاتحاد السوفييتي أكثر تسامحاً، أما الآن، فقد يسمع المغتربون ألفاظاً غير لائقة موجهة إليهم، وفي أحيان كثيرة يوقفهم رجال الشرطة للتحقق من أوراقهم". يدعو كريموف سكان موسكو إلى التعامل بصورة أكثر إنسانية مع المغتربين: "يتولى العمال الأجانب تنظيف الأفنية ومداخل العمارات، ويقومون بأعمال البناء، فيجب أن يتوفر لهم مأوى". يضيف: "ليقل أهل موسكو إنّهم لم يعودوا يحتاجون إلى خدمات المهاجرين غير الشرعيين، ويتولوا أعمالهم بأنفسهم".

ليست "الشقق المطاطية" حكراً على المهاجرين الأجانب، بل هناك مواطنون روس يشترون حصصاً وهمية لا تزيد عن متر مربع واحد لتغيير محال إقامتهم الدائمة وتحويله إلى العاصمة موسكو والاستفادة من الخدمات والرعاية الاجتماعية التي تتميز بها العاصمة عن المدن الصغيرة، ناهيك عن حالات شرائها بهدف ابتزاز المالك الفعلي، إذ لا يجوز بيع العقار إلا بموافقة جميع الملاّك.

وبحسب لاعبين في سوق العقارات في العاصمة الروسية، فإنّ هناك بضعة آلاف من الحصص الصغيرة بشقق موسكو معروضة للبيع حالياً بأسعار زهيدة تتراوح بين 3 آلاف دولار أميركي و6 آلاف، أي ما يعادل سعر متر أو مترين، وفق الأسعار السائدة في السوق.

ولعلّ هذا ما دفع نواب مجلس الدوما (النواب) الروسي إلى مناقشة مشروع قانون يقضي بأن يكون الحد الأدنى لشراء حصة في عقارات موسكو، 10 أمتار مربعة، مع استثناء حالات انتقال حصص أصغر بالوراثة أو بسبب الطلاق من هذا الشرط.

منذ دخول قانون مكافحة "الشقق المطاطية" الذي يقضي بمعاقبة من يمنح تسجيلات إقامة وهمية بغرامات كبيرة وصولاً إلى السجن، حيز التنفيذ في نهاية عام 2013، تراجع عدد مثل هذه الشقق بنسبة 90 في المائة، وفق بيانات مصلحة الهجرة الفدرالية الروسية. مع ذلك، ما زال عدد "الشقق المطاطية" في روسيا يفوق 1100 شقة، وفق الأرقام التي أعلنها رئيس مصلحة الهجرة، قسطنطين رومودانوفسكي مؤخراً.

السوفييت ما زالوا هنا
في غياب إحصاءات دقيقة، تشير تقديرات مختلفة إلى أنّ عدد المغتربين والمهاجرين الذين يقيمون في روسيا في الوقت الراهن يراوح بين 10 ملايين و12 مليوناً. ويوضح رئيس اتحاد المغتربين في روسيا، رينات كريموف، أنّ أغلب هؤلاء آتٍ من الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، بالإضافة إلى أوكرانيا.
المساهمون