عن الغربة واستحالة العودة إلى الوطن.. بعد 30 يونيو

30 يونيو 2014
واضطروا إلى النزوح عن الوطن (باتريك باز/فرانس برس/Getty)
+ الخط -


كانت تستعدّ للعودة مع زوجها وأطفالها إلى مصر في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي. حجزت تذاكر السفر إلى بلدها قبل عام كامل، وانتظرت رجوعها إلى الوطن بفارغ الصبر. لكن انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013، حال بينها وبين تحقيق ذلك الحلم.

هي أسماء جلال، منسّقة حركة "نساء ضد الانقلاب" وممثلتها في الخارج. وحالها تماماً كما هي حال مئات المصريّين الذين اضطروا إلى النزوح إلى خارج مصر، خوفاً من بطش السلطة بعد الانقلاب، سواء أتى ذلك على شكل اعتقال أو تلفيق تهم أو قتل للمتظاهرين في المسيرات المناهضة للانقلاب.

وتروي أسماء جلال، لـ"العربي الجديد"، كيف حال الانقلاب بينها وبين عودتها إلى مصر. فتقول: "أنا طبيبة أسنان، وزوجي طبيب مساعد في جراحة القلب. خرجنا من مصر قبل ثورة 2011، وكان الخروج بهدف التعليم لمدّة عامَين. وقد خطّطنا للعودة نهائياً في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وحجزنا التذاكر قبل ذلك بعام واحد".

وبما أنها منسّقة "نساء ضد الانقلاب" وعضو اللجنة الحقوقيّة والإعلاميّة في الائتلاف العالمي للمصريّين في الخارج، كانت العودة إلى مصر بعد الانقلاب بالنسبة إليها "مخاطرة كبيرة في ظل الأوضاع الأمنيّة السائدة واعتقال كثيرين في المطارات في أثناء دخولهم مصر أو خروجهم منها".


وتخبر أن "تجربة الغربة صعبة في حدّ ذاتها. وكانت تهون قبل الانقلاب نتيجة توفّر الإجازات وإمكانيّة الرجوع إلى بلدك في أي وقت.. هناك، لديك بيتك وعملك وعائلتك، حتى لو كانت ظروف الحياة أصعب، إلا أنها كانت آمنة".

تضيف جلال أنه بعد الانقلاب "أصبح الموضوع صعباً، خصوصاً مع تعلّق ابني بمصر". وتتابع: "فكرة العودة في أي وقت مستحيلة. وأنا الآن مضطرة إلى تحمّل ضغط كبير جداً، إذ عليّ إيجاد عمل يكون مصدر دخل، وكذلك البحث عن سكن". وتشرح: "أتذكّر أننا في نهاية أكتوبر الماضي كان علينا أن نجد سكناً ووظيفة جديدة، بعد أن كان زوجي قد أبلغ المستشفى أنه سيعود نهائياً إلى مصر. نفسياً، كان الأمر مؤلماً جداً وصعباً".

وتقول: "افتقادك للأهل، وافتقاد أولادي إلى الجو الأسري والعائلي، والقلق الدائم من فقدان شخص عزيز فجأة من دون أن تتمكّني حتى من مجرّد توديعه... كلها أشياء تشغل بالي"، ويحزنها التفكير فيها. وتشير إلى أن "من أكثر المواقف التي أثّرت فينا أن والد زوجي في حالة صحيّة متردّية جداً، وكل ما يتمناه هو أن يرى ابنه. لكن زوجي غير قادر على السفر إلى مصر خوفاً من اعتقاله".


دولة اللاقانون

وتجربة أسماء جلال ليست معزولة. فسميّة الشواف أيضاً، وهي كريمة الطبيب المعتقل عبد الرحمن الشواف، عضو الهيئة العليا في حزب الحريّة والعدالة، تعاني مرارة الغربة عن الأهل والوطن للمرّة الأولى في حياتها.

وعمّا اضطرها إلى الهجرة، تقول الشابة البالغة من العمر 24 عاماً: "أصبحنا نعيش في دولة اللاقانون، دولة ليس فيها أي خطوط حمر. اضطررت إلى مغادرة بلدي وأهلي وأصدقائي. فالدولة البوليسيّة هاجمت منزلنا بعد اعتقال والدي في مجزرة فضّ اعتصام النهضة بنحو عشرة أيام، واعتقلتني في منتصف الليل من منزلي بأسلوب وحشيّ وقامت بتلفيق التهم لي".


تضيف: "نظراً للضغط الإعلامي، اضطرت قوات الأمن إلى الإفراج عني على ذمّة التحقيق، بعد سجني ثلاثة أيام مع متهمات بقضايا جنائيّة. وكنت قبل كل موعد محاكمة أضطر إلى ترك منزلي، إذ إن والدتي لن تتحمّل صدمة اعتقالي من حضنها مرّة أخرى على الرغم من ثباتها وصمودها في خلال اعتقال والدي واعتقالي، إلا أن قلب الأم لا يتحمّل بُعد الابنة عنها بتلك الصورة، خصوصاً وإننا نعيش في مجتمع شرقي وما يفعله الانقلابيّون هو تعدّ صارخ على التقاليد والعادات المصريّة الشرقيّة".

بعد الإفراج عنها بنحو أربعة أشهر، اضطرت سميّة إلى الخروج من مصر. فتقول: "في خلال تلك الفترة، تجاوز الظالمون المدى في الانتهاكات ضد بنات مصر ونسائها اللواتي تعرّضن إلى الاعتقال والسحل والضرب والقتل والتعذيب في داخل السجون وتعسّف القضاء ضدّهن بشكل ممنهج. فاضطررت أن أترك والدي في المعتقل وأترك والدتي وإخوتي.. اضطررت أن أترك الثوار الأحرار في الشوارع".

تضيف: "الانقلاب فعل ما لا يتخيّله بشر.. فرّق شمل العائلة.. أب في المعتقل وابنة في الغربة في بلد بعيد بمفردها، من دون أهل لا من قريب ولا بعيد".

وتتابع: "شعور صعب أن تبتعد عن عائلتك.. حدث في عائلتنا ما لم نكن نتخيّله أو يخطر حتى على بالنا للحظات. لكن والله هذا لن يضعفنا أو يكسرنا أبداً. وعلى الرغم من ألم الفراق إلا أننا على العهد باقون. والدتي وإخوتي ما زالوا مستمرين في المشاركة في المسيرات، ولن ينحنوا أبداً للعسكر والطغاة".

المساهمون