الأب ينافس الأم في يومه

21 يونيو 2016
تعود جذور الاحتفال إلى العام 1909(جون مور/ Getty)
+ الخط -
"ولّت تلك الأيام التي لم يكن الآباء فيها يتمكنّون من رؤية أطفالهم إلاّ ليلاً، وفي إجازات نهاية الأسبوع. كانوا يعملون من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساء. اليوم، يأخذ الآباء دوراً أكثر فعالية في الحياة العائلية، باتوا يشاركون بصورة كبيرة في تربية الأطفال وأعمال البيت. وبذلك، نحتاج إلى سياسات تمكّن الآباء من الاشتراك في تربية أطفالهم بشكل أقوى". بهذه الكلمات تصف السيناتور الأميركية، كارولاين مالوني، الوضع في الولايات المتحدة بمناسبة الاحتفالات، هذا العام، بـ "يوم الأب". وهو اليوم الذي يُحتفل فيه أميركياً في الأحد الثالث من شهر يونيو/ حزيران من كلّ عام، وفي بلدان أخرى في الحادي والعشرين من يونيو، وهو اليوم الأول في فصل الصيف. وعلى الرغم من أنّ السيناتورة ترسم صورة متفائلة للواقع، إلاّ أنّ تحسناً ملحوظاً طرأ على مستوى اشتراك الآباء في تربية أطفالهم والمشاركة في حمل المسؤوليات العائلية وتوفير الأطر التي تساعد على ذلك.

في هذا الإطار، تتحدث العاملة الاجتماعية، باولا ألكسندريني، إلى "العربي الجديد" عن أهمية أن يكون الأب مشتركاً بصورة فعالة في تربية الأطفال. تقول ألكسندريني التي درّست في عدة مدارس في منطقة كوينز في نيويورك، إنّها تلاحظ التأثير السلبي على تطور وثقة الأطفال، عندما يكون الأب غائباً أو غير فعال في تربيتهم. تعلّق، حول ما جاء في أقوال مالوني: "لا بدّ من الإشارة أولاً إلى أنّ التمكن من سنّ القوانين التي تسمح للآباء بأخذ إجازة أبوة، كما للأمهات، هو تطور مهم، ليس فقط من الناحية القانونية، بل كذلك الاجتماعية. لكنّ هذه القوانين لم تسن في جميع الولايات بل في بعضها فقط أو حتى بعض المدن". تضيف: "ينعكس اشتراك الأب، منذ البداية، في المسؤولية وتربية الطفل بشكل إيجابي، ليس فقط على علاقتهما ببعض، بل كذلك على العلاقة الزوجية".

مع ذلك، تحذر من أننا بعيدون كلّ البعد عن ممارسة هذه القوانين بشكل شمولي. كما تنوه إلى أنّ ظروف الحياة في نيويورك التي تتسم بتكاليف معيشية مرتفعة، مقابل أجور منخفضة نسبياً، تعيدنا إلى مربع الصراع من أجل توفير لقمة العيش. وبذلك، يضطر كثير من الآباء والأمهات إلى العمل في أكثر من وظيفة لتوفير ظروف معيشية مقبولة، ما يعني غيابهما الدائم ولساعات طويلة خارج البيت أو على الأقل واحد منهما، وفي الغالب الأب.


تؤكد ألكسندريني أنّ كثيراً من الدراسات في علم الاجتماع تشير إلى أنّ الضرر العاطفي والاجتماعي المترتب على غياب الأب عن تربية الأطفال يمكن لمس نتائجه بشكل واضح في التعامل مع الأطفال في المدارس. تفسر: "كثيراً ما يعاني هؤلاء الأطفال من مشاكل في سلوكهم وتأقلمهم مع المجتمع، كما يعانون من الخوف والقلق الدائم. وترتفع كذلك احتمالات تركهم المدرسة، واحتمالات تدني مستوى تحصيلهم".

يقدّر مكتب الإحصائيات الفيدرالي في الولايات المتحدة، أنّ عدد الرجال الذين بقوا في البيت في العام 2015، ولعام واحد على الأقل من أجل الاعتناء بأطفالهم، بنحو 199 ألف أب. في حين خرجت النساء في تلك العائلات إلى العمل. وعلى الرغم من وجود بعض القوانين التي تشجع على أخذ إجازة غير مدفوعة أو مدفوعة جزئياً إلاّ أنّ كثيراً من أماكن العمل لا توفر الحماية الكافية أو الترحيب بأخذ أحد الوالدين إجازة غير مدفوعة لفترة طويلة من أجل الاعتناء بالأطفال. وفي كثير من الأحيان لا يستطيع الأهل القيام بذلك لأسباب مادية. ولعلّ أكثر العائلات تضرراً، في هذا السياق، هي تلك التي يرعاها شخص واحد فقط (إما الأب أو الأم)، ويصل عددها في الولايات المتحدة إلى نحو 12 مليون عائلة، 83 في المائة منها تتولى المسؤولية فيها الأمهات، في حين تصل نسبة تلك التي يرعاها الأب فقط إلى 17 في المائة، أي نحو مليوني عائلة، بحسب مكتب الإحصائيات الفيدرالي.

من جهته، يقدّر اتحاد المتاجر القومي في الولايات المتحدة حجم ما أنفق بمناسبة "يوم الأب" في البلاد عام 2015 بنحو 12 ملياراً و700 مليون دولار أميركي. يشير الاتحاد إلى أنّ نحو 75 في المائة من الأميركيين البالغين، الذين شملهم استطلاع الرأي، قالوا إنّهم ينوون الاحتفال بهذه المناسبة. وأنفق الفرد الواحد بالمعدل نحو 116 دولاراً في يوم الأب مقابل 173 دولاراً في يوم الأم.

تعود جذور الاحتفال بـ "يوم الأب" إلى العام 1909 في الولايات المتحدة. وبحسب مصادر أميركية رسمية، فإنّ الفكرة خطرت على بال سيدة تدعى سنورا دود من مدينة سبوكاين في ولاية واشنطن في غرب الولايات المتحدة، أثناء حضورها مراسم يوم الأم في ذلك العام. وكانت سنورا دود، وإخوتها الخمسة، قد تلقوا تربيتهم في مزرعة على يد والدهم بعد وفاة الوالدة. ووافق عمدة المدينة آنذاك على اعتماد 17 يونيو من العام 1910 للاحتفال بذلك اليوم. وفي العام 1966 أعلن الرئيس الأميركي، ليندون جونسون، عن تخصيص الأحد الثالث من يونيو من كلّ عام يوماً للأب. ومنذ العام 1972 بدأت الولايات المتحدة رسمياً تحتفل بيوم الأب سنوياً بعد توقيع الرئيس، ريتشارد نيكسون، قانوناً رسمياً بذلك.