أبو ماهر... حلاق يختزل أزمنة القدس الجميلة

10 يونيو 2015
أبو ماهر يضع الطعام لطيوره (العربي الجديد)
+ الخط -


على عتبات قرن ثامن من حياته، يطلّ المسن المقدسي غالب الوعري "أبو ماهر" المنحدر من عائلة ارتبطت بالقدس عبر التاريخ، ليكون شارع "صلاح الدين" التاريخي بمدينة القدس مشتهرًا بأبي ماهر، والذي ما زال مرابطًا على رأس عمله في صالون للحلاقة.

وتأخذ مهنة غالب الوعري من كنيته نصيبها، فهو من الحلاقين المهرة في القدس يعمل وإلى جواره نجليه (ماهر وبلال)، مفتخرًا بمهنته التي ورثها عن والده عزت ياسين (أبو ياسين) قبل أكثر من ستين عامًا، حيث كان والده من أشهر حلاقي أو مزيني القدس.

زبائن أبو ماهر تنوعوا ما بين عامة الناس، ومن علية أهل المدينة الذين "طأطأوا" رؤوسهم أمام مقص أبو ماهر، مثلما سلموا أعناقهم له في "رحلة التنعيم" كما يقول أبو ماهر لـ"العربي الجديد".

وما زال أبو ماهر يستذكر زبائنه من الباشوات ويحفظ أسماءهم وألقابهم: فايز بك الإدريسي، وجمال بك طوقان (مساعد الملك عبد الله بن الحسين)، وراغب باشا النشاشيبي، وأحمد حلمي باشا وغيرهم، علاوة عن حديثي العهد، فمنهم من بقي على قيد الحياة أو رحل، مثل فيصل الحسيني.


لكن الحلاق المقدسي أبو ماهر يعزف عن تلبية طلبات الجيل الحالي من تسريحات الموضة، إذ يقول: "قصة المارينز ما بتدخل مخي، ما فيه بعد القصات اللي عرفناها من أيام جدودنا"، بينما يتجه الشباب إلى نجلي أبو ماهر الحلاقين ليلبيا طلباتهم.

الرجل الثمانيني لم يكن الحلاق الوحيد، لكنه عاصر عهود الانتداب البريطاني والحكم الأردني، وما زال يعاصر الاحتلال الإسرائيلي، وهو يعتبر "أيام زمان" أفضل بكثير من هذه الأيام، حيث لم تكن الضرائب موجودة، ويوفر الجميع ما يجمعونه من أموال لتربية أبنائهم وليس للحكومة.

يرابط أبو ماهر في عمله في القدس، وعينه ترقب بيت عائلته المصادر، كما بقية البيوت في حي القطمون غربي القدس، إذ ما زالت أملاك عائلته شاهدة على تاريخ القدس، بينما لم يكن أبو ماهر مجرد حلاق، بل كان رجل تاريخٍ مقدسياً ومحللا سياسيا فذا يميز الغث من السمين، وجريئاً في قول الحق.

أبو ماهر والعصافير

عصافير القدس وحمامها تعشق أبو ماهر، لقد عودها كل صباح ومساء أو ظهيرة أن تأتي "مائدته"، حيث وجبة الخبز المنقوع بالماء الموضوعة بآنية عند مدخل المحل،

فتهبط أسراب الطيور جيئة وذهابًا ولا تغادر قبل إفراغ الآنية، لكن أبو ماهر يعود فيملأها قبل إقفال محله، وتكون أولى مهماته صباح اليوم التالي تحضير الطعام للطير، غير متناسٍ زبائنه وجيرانه، ويكرم وفادتهم بالمشروبات الساخنة التي لا تنقطع.

الكثير من المارة تستوقفهم تلك العلاقة الوثيقة بين العجوز الثمانيني وطيور القدس ويسجلون تقديرهم له، لما يقوم به من تكريم الطير والإنسان، متمنين القيام بذلك، مدركين ما سيحصل عليه أبو ماهر من أجر عند الله.

من نوادر والده

يذكر أبو ماهر نادرتين عن والده (أبو ياسين) كما هو الحال لدى الكثير من الحلاقين، إذ يقول: "حضر ذات يوم رجل لحلاقة ذقنه لدى والدي، فأراد التخلص منه، وطلب منه وضع ماء في فمه والانتظار بعض الوقت تحت أشعة الشمس حتى يتمكن من حلاقة شعر ذقنه الخشن والجاف، ففعل الرجل، ثم نتف أبو ياسين شعرة من ذقنه بقوة، فصرخ الرجل من شدة الألم وغادر بسرعة، ولم يعد بعدها".

نادرة أخرى يرويها أبو ماهر عن والده لـ"العربي الجديد"، حيث أراد والده التخلص من أحد الزبائن بسبب ضيق الوقت، فطلب منه مازحًا العودة في اليوم التالي، لأن شعره أسود ولا يُرى في الليل، وهمّ الرجل بالمغادرة، لولا دخول أحد رجالات القدس ويدعى حلمي باشا، فاستقبله والده بترحاب وقصّ شعره، فيما كان الزبون ينظر باستغراب، قبل أن يسأل عن تصرف أبو ياسين، الذي رد على الرجل قائلاً إن "شعر الباشا أبيض يُرى في الليل، أما شعرك أسود"، فضحك الزبون وأدرك أنه وقع في حيلة.

اقرأ أيضاً:الاحتلال يبني مقهى على أطلال مقبرة تاريخية في القدس

دلالات
المساهمون