مجانين

11 يوليو 2015
لا تحزن لأنها تحب العالم بالألوان (روب لود/Getty)
+ الخط -

مجنونةٌ لأنها غير عادية. لا يهمّها أن ترتدي ألواناً متناسقة، أو تصفّف "غرّتها" إلى اليمين أو اليسار كما يسألها مصفّف الشعر. في كل مرة، ينسى أنّها تحب أن يتركها على طبيعتها. مجنونةٌ لأنها لا تعلّق صوراً لشخصيات حقيقية على الجدران. تفضّل وجوهاً يرسمها مجانين، تقول حقيقة واحدة وربما أكثر.

مجنونٌ لأنه يلامسُ أزهاره صبحاً ومساءً. تكتئب وروده وتذبل ثم تزهر من جديد. هي خاضعة تماماً لدورة الحياة. دورةُ يشارك هو فيها. يُقال إن أحدهم "يده خضراء". ومن يملك يداً كهذه، ستكبر نباتاته. ربما تعيش أكثر من عمرها ولو بقليل. يدرك حاجتها إليه ولا يعترف بحاجته إليها. لا يقول إنه العالم الذي يهرب نحوه.

مجنونةٌ لأنها تشعر بالخوف إن تغيّر لون أظافرها قليلاً. ولأنها تخاف، هي قادرة على رؤية ألوانٍ قد لا تكون حقيقية. لا تحزن لأنها تحب العالم بالألوان. الأسود للعزاء. لا تراه إلا إعلان نهاية. مجنونة لأنها تقرأ خطوط يديها. هناك دائماً نهاية. في آخر الطريق بيت تخشى أن يصير مهجوراً. ربما تملأه بالأزهار.

مجنونٌ لأنه لا يعرف أغنيتها المفضلة بعد. قبل أن تنام، يقرأ لها بعضاً من قصائد كان قد حفظها في الماضي وعلقت في ذهنه. لا تغفو من دون كلماته، وإن كان لا يملكها. لكنه لا يعرف أغنيتها المفضلة. مجنون لأنه لم يحاول أن يعرفها، واكتفى بأن يحبها من خلال قصائد علقت في ذهنه ذات يوم.

هي مجنونة وهو مجنون. على الأرجح، كلّنا مجانين. جميعنا نخاف أو نختبئ أو نغني في أثناء الاستحمام أو نبحث عن أجسادنا أمام المرآة أو ننام أياماً متواصلة. نقول إنها أمزجة أو مجريات أحداث. ننسى أننا في لحظة ما، حين تصبح الضغوط أقوى منا، قد نصير مثل أولئك "المجانين" الذين نخشاهم. هؤلاء ربما كانوا مجانين أو مبدعين وغير مألوفين. تعبوا كثيراً حتى صاروا يصرخون من دون أن يكترثوا للمجتمع. وثق بهم العالم حين كانوا يراعونه، ونبذهم حين ضاقوا به.

أحلامهم كانت "مجنونة" والسماء كانت قريبة منهم، وكانوا قادرين على الإمساك بها. مع الوقت، صغرت أحلامهم واختلف طعم الجنون. في الماضي، لم يكونوا فاقدي العقل، لكنهم صاروا كذلك. هؤلاء يشعرون والشعور عقل. وإن صرخوا لا يهم. ولو أرادوا ضرب أحدهم فلا بأس. قد يتأذى قليلاً فقط. الجنون يعني زوال العقل. يعني أن يعرف أغنيتها المفضلة ويقرأ القصائد لها ويصرخ ويختبئ من الجميع. هذا ليس جنون هذيان ارتيابيّ، فالناس يلاحقون بعضهم بعضاً. يتعبون ويصرخون. المشكلة أنهم يُكبّلون في النهاية. فهؤلاء مجانين.

اقرأ أيضاً: وقت لأشياء كثيرة
دلالات
المساهمون