ما العمل؟

28 ديسمبر 2017
يجب إعادة النظر في المناهج (أتيلا كيزبينيديك/ فرانس برس)
+ الخط -

بعد العرض المفصّل على حلقات وما تخلله من أسئلة ومقاربات تناولت مراكز الأبحاث والدراسات، لا بدّ من طرح السؤال المقلق الأساس في مثل الأوضاع التي عرضناها، الذي يقول على طريقة لينين: ما العمل؟

بداية، لا بدّ من القول إنّ ثمّة استحالة في تقديم وصفة سحرية واحدة أو دواء واحد يحمل الشفاء، إذ إنّ ما نعاني منه هو نتاج ومحصلة اشتراكات مجتمعية متداخلة. وعليه، لا بدّ من اعتماد جملة إجراءات للتوصل إلى تحقيق مسار إيجابي. أبرز الإجراءات هي:

- إعادة النظر في مناهج التعليم، بدءاً من المرحلة الابتدائية حتى الجامعية، خصوصاً مراحل الدراسات العليا في الجامعات، إذ إنّ الاستمرار في اعتماد الأساليب التلقينية في المدارس عموماً، مع استثناء مدارس النخبة، من شأنه قتل ملكات الخلق والابتكار والإبداع. وعليه، لا بدّ من التدريس من خلال الطرائق التفاعلية الناشطة والعمل ضمن فرق. أمّا في الجامعات، فلا بدّ من دفن مبدأ المحاضرة المعتمد وإحلال مبدأ البحث بدلاً عنه، مع مشاركة الطلاب في بناء المنهاج، كي يصبح الطالب الجامعي عملياً مشروع باحث في المقام الأول خلال سنوات الدراسة، ومؤهلاً في عمله لإعداد الرسالة والأطروحة الجامعيتَين والمشاركة في فرق البحث.

- يتطلب هذا الوضع إعادة تدريب وتأهيل هيئات التعليم والتدريس في كل المراحل، وتأمين الحوافز المادية والمعنوية لهم، وتعزيز التعليم المهني والتقني، واختيار الطلاب المبدعين ومساعدتهم عبر فتح الآفاق أمامهم نحو مزيد من الدراسة، توصلاً إلى إعداد جيل مؤهل من المخترعين، بما يقود إلى إطلاق طاقات الأساتذة والطلاب وربطهم بوسائل التواصل الناشطة، وإيجاد روابط بينهم كباحثين ومهنيين، مع ما تتيحه تلك الوسائط من إقامة علاقات علمية واجتماعية متبادلة.

- ولا بدّ من اعتبار تمويل مراكز الأبحاث جزءاً من موازنات وزارات التربية والتعليم والثقافة والتخطيط، إذ إنّ استمرار التمويل على شكل منح وهبات من شأنه أن يلحق أفدح الأضرار برؤية هذه المؤسسات. ومع أهمية اقتطاع جزء من موازنات هذه الوزارات، فإنّ عملية الأبحاث التي يجب أن تتولاها تلك، لا بدّ من أن تصبّ في هذه القطاعات. أمّا في حال كان من شأن توجّه مماثل أن يشتت المرجعية النظامية، فلا بدّ من تأسيس جهة مستقلة تتولى رعاية مراكز الأبحاث أو حتى تأسيس وزارة متخصصة تُعنى بقضايا البحث والتطوّر العلمي، لها موازنتها المرموقة. وأهميّة وزارة مماثلة هي في عملها على أن تكون الجهة المرجعية المسؤولة عن توفير الدعم المعنوي والمالي لمؤسسات البحث العلمي ومراكزه في القطاعين الخاص والعام، وأن تكون طرفاً منسِّقاً لمجالات الاهتمام والتخصّص. وفي مقابل تمويل الدولة لتلك المراكز، تتولى الأخيرة تقديم استشارات لمؤسسات الدولة، تكون مستمَدّة من خلاصة ما تتوصّل إليه أبحاثها، الأمر الذي يساعد على بناء نماذج ووسائط تتحقق من خلالها الثقة المتبادلة، فلا يكون أيّ نوع من أنواع الغربة بين الفريقَين، وهو ما يجعل الأبحاث المنجزة مجرّد أكداس من الورق الذي يعلوه غبار النسيان والنكران.

تجدر الإشارة إلى أنّ هذه التوصيات لا تختصر ما هو مطلوب، إذ إنّ الموضوع ملحّ وأساسي ويتطلب جهداً مشتركاً يدفع الأمور في منحاها الصحيح. وللبحث صلة.

*أستاذ جامعي
دلالات
المساهمون