"نقّاشات" مغربيات يرسمن على أيدي النساء لوحات الجمال

01 يناير 2017
يحولن الأنامل إلى لوحات ناطقة (Getty)
+ الخط -

أناملهن المخضبة بالحناء على الدوام، بطاقة تعريفهن، فنانات بالفطرة، لم يلجن معاهد الفن الجميل، ولا تدربن على هندسة الأشكال، لا حاجة للريشة ولا الألوان، بارعات في التحكم بالإبر ولسن ممرضات، يقنعن بالقليل ويحملن الكثير من الأمل.. هن نقاشات مغربيات تنبض رسوماتهن بالفرح رغم قساوة العيش وهذه حكاياتهن..

كرسيان بلاستيكيان متهالكان، آنية حناء، إبرة نقش، منديل وألبوم صور، هذه عدّة رقية (35 عاماً) التي لا تفارقها منذ أن حولت موهبة نقش الحناء إلى مورد زرق.

"كنت أكتفي بالنقش لبنات العائلة والقريبات، ولم أكن أتقاضى أي مقابل لذلك، لكن بعد وفاة زوجي تغير كل شيء"، هكذا بدأت الشابة المغربية رقية حديثها لـ "العربي الجديد"، وقد بدت منهمكة في نقش أصابع شابة تزامن عيد ميلادها مع نهاية السنة.

تقول رقية "بعد أن توفى زوجي ترك لي طفلين دون معيل، فأصبحت مضطرة للعمل، من أجل إعالتهما. حملت عدتي وتسلّحت بموهبتي وقصدت السوق الشعبي بمدينة الدار البيضاء (كبرى مدن المغرب)، واصطففت إلى جانب "زميلاتي القديمات" في الحرفة، في انتظار "عاشقات الحناء".

وتقول "المغربيات معروفات بحبهن للحناء زينة ودواء، لهذا فإن الإقبال أحيانا يكون جيدا، كما هو الحال في المناسبات والأعياد والأفراح، وأحيانا يتراجع، وقد يمر اليوم دون أن أنقش إصبع أي زبونة".

وعن طريقة إعدادها للحناء تقول "كنت في البداية أعتمد الطريقة التي ورثتها عن والدتي، بأن أجلب أوراق الحناء الخضراء وأجففها بالشمس أو في الفرن، ثم أقوم بسحقها حتى تصبح على شكل بودرة، بعد ذلك أقوم بخلطها بالماء الدافئ والقليل من قطرات الليمون، بتأن وباستخدام أصابع يدي حتى تتجانس فيما بينها، ثم بعد ذلك أقوم بوضعها في جورب "نيلون" به ثقوب صغيرة، وأضغط عليها جيدا للحصول على خليط حناء مثالي".



وتتابع "مع تزايد أعباء البيت، أصبحت أقتني مسحوق الحناء جاهزاً وأقوم بنفس العملية السابقة لمزج الخليط".

وتضيف "بالنسبة لمادة "الدوليو" (نوع من المحروقات)، فلا أضيف إلا قطرات قليلة منها، وأحيانا بطلب الزبونة تجنبا لأعراضه الجانبية من حكة جلدية وحروق، كما أنني لا أستعمله للأطفال وصغيرات السن بشكل نهائي".

وتواصل "الربح مهم بالنسبة لي، لكنني أحرص ألا أتسبب في أي أذى لأي زبونة وخاصة الأطفال الصغار الذين يعشقون الحناء، فأنا أمّ قبل كل شيء"، وتلفت إلى أنها لا تستعمل الحناء المتبقية من اليوم بل ترميها، كما أنها لا تشتغل بـ "الحناء السوداء" التجارية بالنظر لما سمعته من زبوناتها عن أضرارها.

المغربيات عاشقات للحناء (العربي الجديد)


"ما أجنيه ليس قاراً، كل يوم ورزقه، وكذلك حسب نوعية النقش المطلوب وسخاء الزبونة، فنقش أصبع اليد يحدد ثمنه في 20 درهما وقد يزيد عن ذلك، أما اليدين والرجلين من 40 إلى 100 درهم".

قصة رقية مع الحناء عمرها 5 سنوات، تعيل منها أسرتها، وتجتهد يوميا في الحصول على أكبر قدر من الزبونات، وتوضح أنها لا تتوانى عن تلبية طلب جاراتها في الحي وكل الراغبات في نقش الحناء، لأنها تشعر بأنها تدخل الفرحة إلى قلوبهن.

 وعلى عكس رقية، غابت نبرة التفاؤل من كلام فاطمة الزهراء، النقاشة المعروفة ببراعتها في "النقش المراكشي".

بالنسبة لها هذه المهنة "موسمية ومتقلبة"، وتحتاج إلى الاجتهاد والصبر، بمقابل زهيد لا يكفي للعيش في ظل متطلبات الحياة الكثيرة.

فاطمة الزهراء، أرملة وأم لأربعة أبناء، تمتهن هذه المهنة منذ أزيد من عشر سنوات، وتعمل مساعدة أيضا في الأعراس.

تقول "لم يعد نقش الحناء بسيطا كما كان في الماضي، بل إن تطورات العصر شملته أيضا من حيث دخول أشكال ورسومات جديدة يطلبها الزبائن، ومنها مثلا النقش الخليجي والهندي، بعد أن كان المراكشي والفاسي في المقدمة".

وتتابع "رغم أن بعض النساء المغربيات يحافظن على إبداع وأصالة النقش المغربي الذي يعكس الانتماء والهوية، إلا أن الشابات والمقبلات على الزواج تغيرت طلباتهن، وأصبحن أكثر ميلا لأشكال محددة ورسومات خفيفة تختلف حسب ذوقهن ورغبتهن".

وتوضح "الدخل في هذه المهنة هزيل عموما، ولا يستقر، فقد تمنحك زبونة مبلغا محترما بعد أن حولت يديها إلى لوحتين ناطقتين بالجمال والإغراء، يصل إلى 100 درهم، وقد لا يصل ما تتقاضاه إلى 50 درهما في عملك لـ 3 زبونات".

أما عائشة (27 عاماً) فتتنقل بين الأسواق والمنازل والمراكز التجارية من مكان إلى آخر بحثا عن زبائن، كما استفادت من موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" من أجل إنشاء صفحة خاصة بها تعرض فيها رسوماتها، وتضع فيها رقم هاتفها، للراغبات في الخدمة".


وتروي أنّه "يكثر الإقبال والطلب على نقش الحناء خلال فصل الصيف، وأشتغل جيدا مع الشابات وحتى الشباب الذين يطلبون وشما معينا بالحناء، ويدفعون بسخاء، عدا ذلك فإن الطلبات تبقى محدودة جدا، وهو ما يجعلني أشتغل مساعدة منزلية بالموازاة حتى أتمكن من تغطية مصاريف أسرتي.

نقش العروس ضروري (فيسبوك) 


وتوضح لـ"العربي الجديد"، أن الأهم بالنسبة لها،  هو الحصول على مورد رزق بعرق الجبين، دون الحاجة إلى مد اليد أو التسول ".

مداخيل نقش الحناء هزيلة، لا تمنح الجهد المبذول في ذلك قدره. والنقاشات لا ينخرطن ضمن أي جمعية أو نقابة تحميهن وتضمن لهن حقوقهن، كما أنه لا توجد أرقام مضبوطة ورسمية لهذه المهنة التي تكتسي طابعا معاشيا، وليس الجميع يدرك أن النقش فن يعيش جماله بالتقدير، بالرغم من أنه من أبرز العادات المغربية.  إنه أيضا بشرى الخير والفرح، وأساس العرس ومجلب البركات، ناهيك عن أن اليد المنقوشة بالحناء في المغرب دلالة جمال ودلال، وذلك مدعاة فخر للمرأة والرجل معاً.

من جهتها، وضعت وزارة الفلاحة والصيد البحري مؤخرا خطة تندرج في إطار مخطط المغرب الأخضر للنهوض بسلسلة الحنا،ء وتحديث أساليب الإنتاج وتثمين وتحسين جودة إنتاج الحناء ورد الاعتبار لهذا الموروث. 

وينتج المغرب سنويا ألفي و160 طنا من الحناء، وتهدف خطة الوزارة أيضا إلى تحسين دخل المنتجين ليرتفع من 8 آلاف درهم، إلى 22 ألفا و370 درهما للهكتار الواحد، إضافة إلى تحسين كمية الإنتاج ليرتفع من ألفين و160، إلى 3 آلاف و300 طن. كما يشمل المشروع توسيع مجال ممارسة هذه الزراعة على مساحة 600 هكتار، ودعم قدرات التعاونيات لتثمين منتوج الحناء، فضلا عن إحداث 97 ألفا و700 يوم عمل.

المساهمون