أسئلة المكتبة والثقافة

06 ابريل 2018
مكتبة عامة ضخمة في تيان جن الصينية(زانغ بينغ/ Getty)
+ الخط -
تعمل المكتبة العامة على تكوين المواطن المسؤول عن تطوير ذاته ووطنه من خلال ما تتيحه له من إمكانات الاطلاع على منجزات مختلف العلوم من مصادرها المحلية والدولية، وبالتالي على تعزيز ما لديه من مهارات وكفاءات، بالاطلاع والتفاعل مع ما يشهده العالم من تقدم أكاديمي ومهني وتقني على حد سواء. إذ لا وجود لمكتبة عامة عصرية دون هذا الانفتاح على مصادر الفكر البشري كافة، ولعل نقطة ضعف المكتبة العربية الأساس هي عدم مجاراتها للتطور. وخصوصاً أنها باتت تتوجه نحو شرائح واسعة في المجتمع الذي تخدمه، وفي مقدمهم الأطفال الذين تزايد الاهتمام بتوفير أكثر من ركن لهم ضمن الحيز العام حيث تتوافر الكتب المصورة والملونة والشرائط والرسوم والألعاب وغيرها.

وتطمح كل مكتبة عامة لاستقطاب أوسع قاعدة من الجمهور ضمن محيطها، وقد يتسع طموحها لتصل إلى فئات الباحثين المهتمين من خارج بلادها، إذا ما تأمنت عندها مصادر ومخطوطات وأبحاث يحتاجون إليها في نشاطهم البحثي والعلمي ويفتقدونها في بلادهم أو على رفوفها. فمثلاً في بريطانيا تستطيع المكتبة العامة أن تحضر مادة لا تملكها في قائمة موجوداتها من مكتبات أخرى رصيفة في أنحاء البلاد في غضون ثلاثة أيام، ومن خارج المملكة المتحدة في غضون خمسة عشر يوماً. ومن خلال ما أشرنا إليه من أنشطة ثقافية نلاحظ أن المكتبة العامة تحاول تشكيل بيئة ثقافية جاذبة لأذواق واتجاهات متعددة ومتنوعة.

إذن تتنوع أهداف المكتبة العامة وهي تبدأ من التوعية على أهمية التعليم الذاتي المستمر وتوفير المواد للباحثين، وتوفير كل ما تستطيعه من وسائل المعرفة بتطورها وتفاعلها، وتنمية المهارات والكفاءات العلمية والفنية وحث المواطنين على الإفادة من أوقات الفراغ بما يساعد على تكوين المواطن العلمي الذي يعتمد على مصادر موثوقة في تكوين آرائه ومواقفه وزيادة قدراته. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو التالي: هل المكتبة العامة العربية مسؤولة عن التقصير عن القيام بمثل هذه الأدوار أم ماذا؟ وهل يتحمل ذلك المديرون والمساعدون المعنيون؟ أم الوزارات المسؤولة والهيئات المشرفة على تحديثها أم على البلديات والجامعات والمعاهد والأسر حتى؟

أهمية مثل هذه الأسئلة تتأتى من جملة الأهداف وضعف الأداء بما يجعل الطموح في وادٍ والواقع في وادٍ آخر، إذ إن المكتبة العامة مثلها مثل المكتبة الجامعية تعاني من ندرة الرواد ومحدودية أعدادهم، وبالتالي من غياب أدوارها العلمية والمجتمعية على حد سواء.




والفعلي أن الأسئلة تتجاوز المكتبة كمؤسسة ذات وظيفة محددة لتطاول الحياة الثقافية والأكاديمية والعلمية في بلد ما. علماً أن المنطقة العربية لا تشكو من نقص أعداد المكتبات بقدر ما تشكو من ضعف النوعية والإقبال عليها. وهنا لا بد من أن نشير إلى أن ثورة المعلوماتية قد وضعت يدها على الكثير من وظائف المكتبة العامة. إذ بات بإمكان أيٍّ يكن أن يجلس في منزله ويفتح على محركات البحث المعروفة، ويدخل منها إلى عشرات إن لم نقل مئات المواقع، والاطلاع منها على ما تملكه أو تصوير موجوداتها واستخدامها في أبحاثه وعمله. ولحل مثل هذه المعضلة تتجه المكتبات العامة إلى ربط موجوداتها مع شبكات المعلومات ما يتيح لجمهورها الدخول إلى مواقعها والإفادة من مصادرها.

*باحث وأستاذ جامعي
المساهمون