جواز السفر... قنصلية النظام في إسطنبول تبتزّ السوريين

30 ديسمبر 2018
الحاجة إلى الجوازات في تركيا كبيرة (Getty)
+ الخط -

على الرغم من فرارهم من سورية بسبب النظام واعتداءاته، فإنّ نحو ثلاثة ملايين سوري يجدون أنفسهم مضطرين لاستصدار جوازات السفر النظامية، فيتعرضون للابتزاز والإذلال والكلفة المالية المرتفعة

حصل السوري المقيم في إسطنبول موسى الحسن، على جواز سفر من القنصلية السورية في المدينة نفسها، بعد أربع زيارات إليها، مقابل نحو 350 ألف ليرة سورية (نحو 640 دولاراً أميركياً) أي ما يعادل أجر عشرة أشهر لموظف في سورية.

يروي الحسن ما يصفها بـ"مشاوير الذل"، التي بدأت بمحاولات كثيرة فاشلة لحجز موعد لتقديم الأوراق عبر الموقع الإلكتروني المخصص للقنصلية، قبل أن يعلم أنّ الموقع "خدعة" ولا بد من الحجز عبر مكاتب متخصصة ودفع 300 دولار أميركي.

عاملان سوريان في تركيا (Getty)












انتظارات

يقول المدرس السابق (35 عاماً): "لجأت إلى مكتب وحصلت على ورقة الحجز، وذهبت عند الثامنة صباحاً مصطحباً معي كلّ ما يلزم وأوصى به المكتب من وثائق، ظاناً أنّي سأكون الوحيد بما أنّ الدوام يبدأ عند التاسعة، ففوجئت بمئات السوريين المصطفّين في الشارع، فدخلت ضمن المجموعة المنتظرة". يتابع: "عند العاشرة تقريباً، خرج شرطي القنصلية التركي لينادي بكلمة: تصديق. ثم نظر في أوراق من جاء إلى القنصلية لتصديق أوراق ثبوتية، كإخراج القيد، أو بيان الولادة، وأدخلهم تباعاً. وهكذا بقيت مع آخرين حتى الساعة الواحدة ظهراً في الشارع، إذ لا قاعة أو مكان نجلس فيه ريثما يحين دورنا".

يضيف: "حينها سألنا الشرطي: من يريد باسبورات (جوازات). فصرخنا جميعنا: نحن. عندها قال: من يرده عاجلاً يأتِ إلى هنا، وفعلاً بدأ يدخلهم في حين انتظرنا حتى خرجوا وبدأنا ندخل كلّ خمسة أشخاص معاً". عن الفارق بين الجواز العاجل والعادي، يقول الحسن إنّ كلفة العاجل هي 825 دولاراً أميركياً، أما العادي فيكلف 325 دولاراً، والعاجل يتسلمه مقدم الطلب خلال عشرة أيام، أما العادي فيتسلمه بعد ثلاثة أشهر. يضيف: "دخلنا إلى القنصلية ووقفنا في غرفة صغيرة يفصل بيننا والموظفين زجاج تتخلله نوافذ صغيرة. أعطانا الموظف الأوراق وملأناها، ثم أعطانا إيصالاً لندفعه في مصرف العمل التركي، وفعلاً ذهبنا إلى المصرف ودفعنا 50 ليرة تركية (9.30 دولارات) وحصلنا على إشعار الدفع، لكن لم نتمكن من الدخول إلى القنصلية مباشرة، بل انتظرنا نحو نصف ساعة، وسلمنا الموظف الإشعار وطلب جواز السفر المنتهي، وأعطانا ورقة كتب عليها أنّ بإمكاننا أن نتسلم جوازاتنا من تاريخ كذا إلى كذا، من دون يوم محدد، وبالفعل ذهبت في اليوم الأخير، وانتظرت في الشارع أكثر من المرة الأولى، لأنّ التسليم يجري بعد الساعة الرابعة عصراً، ودخلت وتسلمت جوازي". يتابع: "سألت الموظف: ألا يحتاج الجواز إلى ختم، فقال: لا، لكن عليكم الذهاب إلى مكتب الوالي التركي ليجري إدخال الجواز ضمن السيستم التركي. وذهبت فعلاً إلى ذلك المكتب وأجريت المطلوب".

لكنّ المتاعب كانت أكبر في طلب الحصول على الإقامة التركية على أساس هذا الجواز، إذ طُلب من الحسن تصديق الجواز، فأكد لهم أنه ليس بحاجة إلى ذلك وهو ما أكده له الموظف سابقاً، لكنّهم أصروا على الذهاب إلى القنصلية وإحضار ورقة مصدقة تثبت أنّ الجواز صادر عنها. يقول: هذه كانت الخطوة الأصعب والأخطر، لأنك ستعود ثانية إلى الدوامة وتحجز موعداً عبر المكاتب، لكن بمئة ليرة تركية (نحو 19 دولاراً) فقط هذه المرة، وليست المشكلة بالدخول والانتظار أمام القنصلية، بل بالانتظار ريثما تعود الورقة من سورية، لأنهم يرسلونها إلى دمشق بالرغم من أنّ الجواز صادر عنهم... أي إنها باختصار رحلة إذلال بإذلال، والمشكلة أنه لا بديل أمام السوريين".




سماسرة
حاولت "العربي الجديد" الإمساك بالخيط من بدايته، إذ حصلت على رقم هاتف أحد المكاتب في منطقة أكسراي، وهو يبيع مواعيد القنصلية السورية، وسألت عن كيفية الحصول على المواعيد واللقاء المالي، فكانت الإجابات مطابقة لما قاله الحسن. وبعد التقصي أكثر، يقول مالك أحد مكاتب تخليص المعاملات، راجياً عدم ذكر اسمه، إنّ المواعيد تأتيهم بأسعار مخفضة من سماسرة متعاونين مع القنصلية السورية، ولا يمكن الحصول على موعد عبر موقع السفارة.

يفيد المصدر أنّ سوريين معروفين بـ"عمران وجبران" يبيعان المواعيد بالعشرات، لأصحاب المكاتب بنحو 150 دولاراً لكلّ موعد، والمكاتب تبيعها بما بين 250 دولاراً و300 للمراجعين، مؤكداً أنّ العام الماضي وصل فيه سعر الموعد إلى نحو 400 دولار: "هناك بوس (زعيم) كبير اسمه وائل أبو علي، يبيع بأعداد كبيرة وبأسعار أرخص".

أما كيف يحصل السماسرة أنفسهم على المواعيد، فيقول المصدر إنّ هؤلاء يتعاملون مع القنصلية مباشرة ويحصلون عبرها على المواعيد، لأنّ موقعها الإلكتروني مغلق ولا يمكن الحجز من خلاله: "ربما يحالف الحظ البعض كلّ عدة أشهر للحجز عبر الموقع، لكن لمواعيد التصديق فقط وليس لمواعيد الجوازات".

يكشف المصدر لـ"العربي الجديد" أنّ سمساراً معروفاً باسم "غسان م" يأخذ أسراً أو مجموعات كاملة، ويتقاضى ألف دولار على المجموعة المؤلفة من خمسة أشخاص وما فوق، وهذا السمسار يحصل من المكاتب على أسماء من يحتاجون إلى جوازات: "لديه علاقات مع القنصل غسان دلا".

يصف المصدر الوضع بأنّه "عصابة تجني مئات آلاف الدولارات شهرياً من السوريين". يتابع أنّ كلفة حجز الموعد هي ما بين 250 و300 دولار، ويدفع الساعي للحصول على الجواز 325 دولاراً للقنصلية بالنسبة للجواز البطيء الذي سيتسلمه بعد ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى رسوم في المصرف تعادل نحو 10 دولارات. الأمر مماثل للجواز المستعجل، لكنّ الدفعة المقدمة إلى القنصلية ترتفع إلى 825 دولاراً.

يشير المصدر إلى أنّ هناك ما تسمى "ورقة حركة المرور" سعرها 100 دولار، تمنحها القنصلية عبر السماسرة، لمن ليس لديه جواز سفر قديم ويريد العودة إلى سورية عبر لبنان، وهناك تصديق أوراق رسمية تحجز مواعيدها بـ150 ليرة تركية (28 دولاراً) عبر المكاتب بالإضافة إلى 25 دولاراً كرسوم للقنصلية و10 دولارات للمصرف التركي.



ابتزاز
من أمام القنصلية السورية في إسطنبول، يقول إعلامي سوري، فضّل عدم ذكر اسمه، كان قد حصل على جواز سفره من دمشق عبر سماسرة لقاء 3000 دولار أميركي، حول سبب مجيئه إلى القنصلية: "لا بدّ من التصديق من القنصلية والمرور بخطوات الإذلال نفسها".

يشير إلى أنّ جوازه يخدم عامين فقط، لا خمسة أو ستة كما هي حال الجواز السوري العادي، وهي طريقة أسرع للربح والابتزاز، بحسب وصفه. وعن ارتفاع السعر يقول: "هناك جواز بـ1300 دولار عبر المكاتب والسماسرة، لكن شريطة أن يتسلمه أحد أقاربك في الداخل، ولا يمكنني المجازفة لأني مطلوب للنظام. دفعت 3000 دولار وجاءني الجواز عبر شركة النقل، دي أتش أل، لكنه - كما ترى - يحتاج إلى تصديق". وعن كيفية حصوله على جواز سفر وهو مطلوب للنظام، يقول: "يا رجل... هم يعطون جوازاً لقادة الفصائل العسكرية. ادفع تحصل على كلّ ما تريد".

مع غوص "العربي الجديد" في القضية، تبيّن أنّ معظم السوريين اللاجئين في تركيا، جوازات سفرهم منتهية، ولا بد من الحصول على جوازات جديدة، لأنّ تركيا تطلب الجواز في أعمال كثيرة، منها استصدار إقامة أو جنسية للسوريين.

وعلمت "العربي الجديد" أنّ الائتلاف الوطني المعارض، منح جوازات سفر قبل ثلاثة أعوام بسعر 150 دولاراً للجواز الواحد، لكنّها غير صالحة للاستخدام في المطارات، أو في تركيا حتى، بعد تعميم النظام السوري القضية على الإنتربول باعتبارها جوازات مزوّرة، بحسب رئيس تجمع المحامين الأحرار في تركيا، المحامي غزوان قرنفل.

يصف قرنفل عملية الحصول على جواز سفر من القنصلية السورية بإسطنبول، بالجريمة المنضوية تحت بند الابتزاز وصرف النفوذ. وهي تؤكد بحسب وصفه، افتراس السلطة للدولة، لأنّ القنصليات هي تمثيل للدول وليست للأنظمة، ومن المفترض أن تمنح الوثائق للجميع من دون أي ابتزاز وتعقيد. لكنّ ما يجري هو تعامل نظام أو سلطة مع أعداء معارضين مقيمين في تركيا.




يقول قرنفل لـ"العربي الجديد": "حصلت على جواز سفري من القنصلية بالطريقة نفسها، إذ دفعت ثمن الموعد 300 دولار لأنّ الحجز عبر صفحة القنصلية مستحيل، كما انتظرت في الشارع طوال ساعات أكثر من مرة". يضيف: "تركيا تطلب وثائق رسمية صادرة من سورية لأنّ النظام ممثل الدولة القانونية، ولا يمكننا الشكوى أو الاحتجاج".

مطار إسطنبول الجديد (الأناضول)