عيادات مصر... كلفة باهظة ولا تسعيرة رسمية

09 نوفمبر 2018
استنزاف للمواطنين البسطاء (Getty)
+ الخط -

فواتير العيادات الخاصة في مصر، باتت ناراً. هكذا يلخص مواطنون من طبقات اجتماعية مختلفة الحال التي وصل إليها كثير من هذه العيادات

تجاوز الكشف على المريض الواحد في عيادات وسط العاصمة المصرية القاهرة ألفي جنيه (111 دولاراً أميركياً) عند مشاهير الأطباء، أما الاستشارة فهي بسبعمائة جنيه (39 دولاراً)، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ إذ يطلب الطبيب فحوصاً وأشعة وتحاليل. وإذا أضفنا ذلك إلى فوضى تسعيرة المستشفيات الخاصة سواء في عياداتها الخارجية أو في العمليات، كان الوضع بمثابة كارثة على المواطن المصري. يعلق أحدهم لـ"العربي الجديد": "كأنّ المواطن البسيط قد استفاق من المشاكل والأزمات المادية والاجتماعية التي يعاني منها، حتى يصاب بأزمة أخرى مثل ارتفاع أسعار كشف العيادات".

يقول، محمود خلف (مدير عام) إنّ أغلب الأطباء، يوجهون المرضى لإجراء أيّ عمليات طبية، إلى مستشفيات استثمارية يتعاقدون معها يحددها بالاسم، مقابل الحصول على نسبة منها للطبيب الشهير، وهو ما يعد مخالفة لكلّ الأعراف الطبية، بالإضافة إلى توجيه المرضى لشراء الأدوية التي يصفونها من شركات معينة، بل أحياناً بأصناف معينة منها مقابل "عمولة" يتقاضونها، في ظل غياب الرقابة الحكومية على المستشفيات الخاصة والاستثمارية وعلى العيادات خصوصاً الكبرى منها، بعدما أصبحت أسعارها مبالغاً فيها. وقد تقدم المرضى بشكاوى متكررة إلى الإدارة المركزية بوزارة الصحة من دون طائل.




يتوجه المرضى إلى المستشفيات الاستثمارية والعيادات الخاصة، في ظل غياب إقرار قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل منذ أكثر من 12 عاماً، فما زال المواطن المصري يتحمل فاتورة الكشف والعلاج وتسعيرة الدواء كاملة داخل المستشفيات والعيادات الخارجية، حتى وصل إجمالي ما ينفقه المصريون على الصحة من "جيوبهم" إلى 120 مليار جنيه (6 مليارات و800 مليون دولار) سنوياً بحسب تقارير البنك الدولي، وهو ما يعادل 72 في المائة مما تنفقه الدولة على مختلف قطاعات الصحة، الأمر الذي أوقع المواطن ضحية لسوء الخدمة الصحية المقدمة داخل المستشفيات الحكومية التي تنتهك كرامته وآدميته، وارتفاع أسعار "الفيزيتا" داخل العيادات الخاصة من جهة، ونار المرض الذى يلتهمه يومياً من جهة أخرى.

من جهتها، اقترحت وزارة الصحة على نقابة الأطباء، وضع حد أقصى لأسعار الكشف الطبي عند الأطباء داخل المستشفيات والعيادات الخاصة تبدأ بـ100 جنيه (5.60 دولارات) للطبيب الممارس، و200 جنيه (11.20 دولاراً) للاختصاصي، و400 جنيه (22.40 دولاراً) للاستشاري الحاصل على الدكتوراه، وتصل إلى 600 جنيه (نحو 34 دولاراً) للاستشاري أستاذ الجامعة، لكنّ تلك المحاولات باءت بالفشل، بسبب قوة الأطباء وتحكمهم في العيادات والنقابة العامة للأطباء، وهناك مطالب حكومية وبرلمانية بدور رقابي أكبر لضبط هذا القطاع، الذي استحوذ على الحصة الأكبر من الخدمات الطبية في مصر.

أمام ارتفاع أسعار العيادات الخاصة والمستشفيات الاستثمارية، لجأ معظم المرضى في المحافظات المصرية من الفقراء وأصحاب الدخول المتوسطة إلى مستشفيات الجمعيات الأهلية داخل المساجد، حيث لا يتجاوز كشف الطبيب 25 جنيهاً (1.39 دولار)، كما انتشرت مستشفيات كنسية يتردد عليها آلاف المرضى بالسعر نفسه، بخلاف الأشعة والتحاليل والعمليات التي تتوافر بأسعار رمزية على العكس من العيادات الخاصة والمستشفيات الاستثمارية.

"العربي الجديد" تجولت داخل عدد من عيادات وسط القاهرة الواقعة في ميدان الفلكي، وعمارة الأطباء بحي المهندسين بالجيزة، حيث مشاهير الأطباء. تتفاوت الأسعار بحسب موقع العيادة وفخامتها وشهرة الطبيب المعالج وحجم الدعاية في الفضائيات. يصل سعر كشف أستاذ قلب شهير بالفلكي إلى 2000 جنيه (111 دولاراً) وأستاذ نساء وتوليد إلى 1500 جنيه (83.5 دولاراً)، والجلسة الواحدة لدى أستاذ طب نفسي تصل إلى 1000 جنيه (55.5 دولاراً)، وكشف المخ والأعصاب بعمارة الأطباء بالمهندسين إلى 1500 جنيه أيضاً، بينما يصل كشف تخصص العظام إلى 2000 جنيه والأورام إلى 1500 جنيه، عدا عن 700 جنيه للاستشارة (39 دولاراً) وهو مبدأ جديد لجأ إليه الأطباء، إذ كانت الاستشارة في الماضي مجانية، لكن قفزت أسعار الكشف بالعيادات الخاصة بشكل مبالغ فيه، وأصبحت لا تراعي أي ظروف إنسانية للمرضى.

عوة العلاج الشعبي (الأناضول)












"بتنا بين نارين، نار العلاج داخل المستشفيات الحكومية ونار تذاكر العيادات الخاصة" بهذه الكلمات عبّر المرضى عن المعاناة التي يعانون منها، إذ تؤكد سلوى الطاهر، التي تعاني من مرض في القلب، أنّ الأطباء رفعوا أسعار الكشف والتحاليل الطبية والأشعة بصورة مبالغ فيها، في ظل تدهور الخدمة الصحية داخل مراكز القلب والمستشفيات الحكومية، حتى ارتفعت "فيزيتا" طبيب القلب في أقل من عام واحد من 600 (33.4 دولاراً) إلى 2000 جنيه (111 دولاراً).

بدوره، يقول، طنطاوي محمود (موظف) إنّ أسعار العيادات لم تعد في متناول المرضى البسطاء، والأطباء يتعاملون مع المريض حالياً من منطلق تجاري بحت، على عكس الهدف الأساسي الإنساني لمهنة الطب، لافتاً إلى تأثيث الأطباء عياداتهم بأفخم أنواع الديكور والمكيفات والمفروشات وكله على حساب المريض.

يتساءل المتقاعد، عبد الرؤوف ياسين: "أين الرقابة من أسعار الكشف بالعيادات؟ منذ تعويم الجنيه المصري هناك جنون في أسعار الأطباء، وقد ابتدعوا تقليعة جديدة لم نعهدها من قبل وهي فيزيتا للاستشارة، ما يجعل المريض يُحجِم عن الذهاب للاستشارة مكتفياً بما تكبّده بمبلغ الكشف.

يرفض عضو نقابة الأطباء، الدكتور خالد سمير، أن تحدد الحكومة ممثلة في وزارة الصحة أو أيّ جهة أخرى، تسعيرة للأطباء، وأن نقابة الأطباء هي المختصة بتحديد أتعاب الطبيب عبر اللائحة الحالية في المادة 46 من القانون رقم 45 لسنة 1969 الخاص بنقابة الأطباء، موضحاً أن هناك كشوفا طبية بأقل من 50 جنيهاً (2.80 دولار)، مشيراً إلى أنّ ما يحدث مع الأطباء يحدث لدى المحامين والاستشارات الهندسية في بناء العقارات، إذ هناك محامٍ يتقاضى مبلغاً نظير قضية من الممكن أن يتقاضى محامٍ آخر في القضية نفسها أضعاف أضعافها، وقال إن الحكومة تضع الأطباء باستمرار تحت المنظار وتنتهج سياسة معادية لهم وتحمّلهم أوزار النظام الصحي، ومسؤولية تدهور المنظومة الصحية في مصر.




يطالب مدير "المركز المصري للحق في الدواء" محمود فؤاد، بضرورة أن تكون هناك تسعيرة استرشادية لجميع الأطباء، وعدم المبالغة في قيمة الكشف، فهناك جانب نفسي لدى المريض يجعله يعتقد أنّ الطبيب صاحب الكشف المرتفع أكثر خبرة وعلماً وهو من لديه مفتاح الشفاء، مشدداً على ضرورة تدخل وزارة الصحة بقرار أو قانون يحدّ من ارتفاع تسعيرة الكشف في العيادات، مؤكداً أنّ الحق في العلاج حق أصيل يكفله الدستور للجميع، والصحة ليست سلعة يشتريها المواطن حتى تخضع لمبدأ العرض والطلب، لافتاً إلى أنّ المواطن في حاجة شديدة إلى نظام صحي جيد.

عطارة بدلاً من الصيدلية
بسبب الغلاء في العيادات، لجأ بعض المصريين إلى التداوي بالأعشاب، وباتت محلات العطارة تنافس العيادات والصيدليات معاً، إذ يتردد عليها مئات المرضى يومياً، كما لا يخلو سوق من هذه المحلات. وبينما يعتبرها بعضهم من ضروب الفوضى والاحتيال. لكنّ المتفائلين يرون في محلات العطارة مهرباً آمناً ورخيصاً من جنون الفاتورة الطبية.
المساهمون