تحرّش جنسيّ

28 يوليو 2018
من أبشع الجرائم... (Getty)
+ الخط -
في زمن مضى، أواخر ثمانينيات القرن الماضي تحديداً، لم تكن ابنة الحادية عشرة تعي ما تَخبره. لم تكن تعرف ماذا تسمّي ذلك الذي يحصل مع "عمّو أنيس". وراحت تروي لصديقتها في المدرسة تفاصيل الدقائق التي تطول، خلال اقتراب عمّو أنيس منها. صديقتها كذلك لم تعرف شرح ما يحصل. الأمر استفزّها بطريقة أو بأخرى، غير أنّها لم تتمكّن من تفسيره. يُذكر أنّ عمّو أنيس هو زوج عمّة الصغيرة.

ما يحصل ليس مقبولاً. هذا ما شعرتا به في ذلك الزمن، من دون أن تدركا طبيعته. حاولتا التوصّل إلى حلّ أو آخر. اقترحت الصديقة إخبار العمّة. حلّ مرفوض قطعاً، في حين تستحيل إمكانيّة سرد ما يحصل للوالدَين. وظلّت القضيّة معلّقة، وظلّت الصغيرة تروي الأحداث المتتالية لصديقة الدراسة إلى حين افترقتا بعدما قطعت الحرب كلّ تواصل بينهما.

ما تعرّضت له الفتاة حينها صار له اسم: تحرّش جنسيّ. هذا هو تعريفه الصريح المعتمد من الجهات المعنيّة بشؤون الطفولة حول العالم. ربّما اكتشفت ذلك، وربّما حالَ إنكارٌ - يصيب كثيرات وكثيرين - دون توصيف ما عانته. أمّا المؤكّد فهو أنّ الندوب التي خلّفتها الإساءة في الصغيرة غارت أكثر في نفسها مع السنوات.

في ذلك الحين، كثيرون كانوا ليشكّكوا بـ"مزاعم" تلك الفتاة، تماماً مثلما يفعل آخرون اليوم. وتصمت الضحيّة. هذا "أمر طبيعيّ" بحسب ما يؤكّد خبراء نفسيّون واجتماعيّون. الأطفال الضحايا يشعرون بحبّ عميق تجاه هؤلاء المعتدين ويخشون إلحاق أيّ أذى بهم، فممارسو التحرّش أو الاعتداء - الإساءة عموماً - مقرّبون منهم بنسبة ثمانين في المائة تقريباً. نسبة عالميّة في ظلّ غياب البيانات في بلداننا العربيّة. وهؤلاء الثمانون في المائة، أكثريّتهم من الآباء (يتبعهم الإخوة والأجداد والأعمام والأخوال إلخ...) إلى جانب أصدقاء للعائلة ومعارف.



البيانات متوفّرة عالمياً، غير أنّ معالجيها وناشريها يصرّون دائماً على أنّها لا تغطّي كلّ الحالات، نظراً إلى أنّ هذا الموضوع من المحرّمات وكثيرون لا يعرفون كيفيّة التعاطي ويغضّون الطرف عن الإساءة الحاصلة. هذا هو الواقع على الصعيد العالميّ، وفي إمكاننا تخيّل الأمر في مجتمعاتنا العربيّة التي ما زالت تتلطّى خلف إصبعها. ندّعي أنّ الأمر مستجدّ على سبيل المثال، كأنّما الغرب ورّده لنا مع مختلف أشكال "الفحشاء" الأخرى، وهو ما يؤكّده أحد المواقع إذ يشير إلى أنّ "التحرّش الجنسيّ بالأطفال من أخطر الجرائم التي تفشّت في المجتمع في الآونة الأخيرة".

قبل أيّام، تناقلت وسائل الإعلام اللبنانيّة، الجديدة والتقليديّة، خبر تحرّش أحد الآباء بابنته في سياق أشمل يرتبط بحضانة وما إليها. لا شكّ في أنّه من المفيد الإضاءة على هذا النوع من الإساءات، غير أنّ تناولها بهذه الطريقة ينتهك قطعاً خصوصيّة الضحيّة وإن موّهنا وجهها... ويكون تحرّشاً من نوع آخر.
المساهمون