فتّش عن الأكاديميين والمثقفين

06 مايو 2015
الجامعة باتت مصنعاً لتفريخ الشهادات والخريجين (فرانس برس)
+ الخط -

ماذا يفعل الأكاديميون والمثقفون العرب؟ ليس الجواب على هذا السؤال محيراً، وهو بديهي بطبيعة الحال. فإذا كان المواطن العادي يحتاج الى العقل العلمي في حياته اليومية، في حياة ومجتمعات باتت أكثر تعقيداً وعلمية، فالمسؤولية تقع بالضبط على عاتق الأكاديميين والتربويين والمثقفين لموازنة المعادلات الوجودية في خضم هذا المعترك الراهن من الدم والفوضى المدمرة.

كنا قد أشرنا إلى نحو مليون من العلماء والمثقفين نزفتهم الدول العربية والإسلامية، وباتوا جزءاً من جيوش الباحثين الذين يحتشدون في الدول الأكثر تقدماً. لكن ما زالت الجامعات ووسائل الإعلام وغيرها تحظى بأعداد لا يُستهان بها في كلياتها ومعاهدها ومراكزها. المؤسف أنّ أكثر هؤلاء لا يقومون بالدور المناط بهم في ممارسة النشاط والبحث العلمي والفكر النقدي. ويكاد يقتصر دورهم على الالتحاق بالنافذين في السلطات والقوى الأهلية والتدريس. وهو تدريس يقال الكثير عن صلاحيته. من هنا تتردى نسبة مشاركة هؤلاء في مجالات الأبحاث كافة، بما فيها الدراسات الأدبية والنظرية، ناهيك عن العلمية في مجالات الفيزياء والكيمياء والذرّة والتكنولوجيا العالية والرياضيات وغيرها.

والأسوأ من ذلك، أنّ هؤلاء لا يقومون بأبسط واجباتهم في إعداد الأبحاث في المواد التي يدرسّونها، وتكاد تقتصر لدى الكثيرين منهم على تحضير ملخصات عن دراسات أجنبية أو معرّبة، وتوزيعها على طلابهم وسؤالهم عنها في الامتحانات. وبديهي ألاّ تكون هذه الكرّاسات منشورة، باعتبارها تصيب أصحابها في الصميم، كونها منقولة، إن لم يكن حرفياً، فعلى نحو شبه حرفي. لكنّ الأمور لا تقف عند هذا الحد، فهؤلاء الأساتذة لا يتكلّفون بتعليم طلابهم على مناهج البحث وأساليب التفكير العلمي بما يتطلبه من عمليات تخطيط وجمع للمعلومات واتخاذ المواقف والقرارات، وصولاً إلى البحث عن الأجوبة الحقيقية للمشاكل.

وبذلك، لم تعد الجامعة مكاناً للإنتاج والبحث العلمي بقدر ما باتت مصنعاً لتفريخ الشهادات والخريجين من دون امتلاك المؤهلات اللازمة. وما يفاقم المعضلة أنّ الشركات العاملة في المنطقة لا تساهم، ولو بالحد الأدنى، في تمويل التعليم. ثم إنّ هاجسها هو الربح فقط، ويقتصر دورها على استيراد منظومات ومشروعات وتسويقها.
لذلك ليس من قبيل الصدفة أن تنتشر لا الأفكار الغيبية فقط بل الخرافية، بين طلاب التعليم العالي، بمن فيهم أولئك الذين يدرسون مواد يفترض أنها أكثر انضباطاً بالقوانين التي أنشأها علماء بذلوا جهدهم من أجل فهم ظواهر الحياة والوجود.
(أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية)
المساهمون