المجتمع المدني الأردني... مؤسسات مهمشة في ظل كورونا

27 مايو 2020
لا بدّ من انخراط كلّ الجهات بمواجهة كورونا (Getty)
+ الخط -

يشكو ناشطون في مؤسسات المجتمع المدني باختلاف تخصصاتها، من ثغرات رافقت عملية مواجهة تفشّي فيروس كورونا الجديد في الأردن. بالنسبة إليهم، كان من الضروري أن يجمع العمل المشترك ما بين الحكومة وتلك المؤسسات لما فيه خير الأردنيين.

لم تُمنح مؤسسات المجتمع المدني في الأردن المساحة الكافية للحركة في خلال أزمة كورونا، فكانت شبه مقيّدة في حين أنّه من المفترض أن تساهم في المواجهة نظراً إلى قربها من المواطنين وتعاملها المباشر معهم وقدرتها على تقديم الحلول. وقد طالبت مؤسسات عدّة الحكومة بإشراك ممثلين عنها في "خليّة الأزمة" للاستفادة من خبراتهم في بناء السياسات وإيجاد حلول في التعامل مع جائحة كورونا في البلاد. ودعا ناشطون إلى تمكين مؤسسات المجتمع المدني من التحرّك للمساهمة في عمليات مساعدة الفئات الأكثر عرضة للخطر، بالإضافة إلى الاستفادة من خبرات هذه المؤسسات في التوعية المجتمعية وحملات كسب التأييد لتغيير السلوكيات والمواقف التي تسهم في مواجهة الفيروس وتبعاته.

تقول مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان ليندا كلش لـ"العربي الجديد" إنّ "مؤسسات المجتمع المدني توقّفت عن العمل من مقارها مع إعلان حظر التجوّل في 21 مارس/ آذار الماضي، على الرغم من أنّ موقع هذه المؤسسات هو بحسب ما يفترض في الخطوط الأمامية في خلال أيّ أزمة ذات أبعاد إنسانية"، لافتة إلى أنّ "المؤسسات حاولت بذل طاقتها سواء في مجال الاستجابة الإنسانية أو رصد الأوضاع التي تقع في دائرة اهتمامها". تضيف كلش أنّ "ثمّة حالة عدم رضا بشكل عام إزاء محاولة الحكومة تجميد عمل مؤسسات المجتمع المدني وتحييدها، والابتعاد عن العمل التشاركي في ظلّ هذه الأزمة"، موضحة أنّه "بسبب القيود المفروضة لم يكن في استطاعة مركز تمكين القيام بدور الوساطة بين العمّال ومؤسساتهم، خصوصاً في قضايا الفصل من العمل والأجور".

وتشير كلش إلى أنّ "مؤسسات المجتمع المدني تحرّكت من خلال تحالفات تجمعها في وقت مبكر قبل الحظر لرفع الوعي حول الجائحة، أمّا في خلال الحظر فعمدت إلى تقديم المساعدات على شكل طرود خصوصاً في المحافظات. وقد بقيت المؤسسات بمعظمها تعمل عن بعد في مجال الرصد ورفع الوعي، ومركز تمكين على سبيل المثال كان يقدّم للعمال عبر منصّاته الإلكترونية المعلومات التي تساهم برفع وعيهم بحقوقهم القانونية ويستقبل شكاويهم وملاحظاتهم". وتتابع كلش أنّ "تمكين أصدر تقارير حول أوضاع العمّال في ظل جائحة كورونا والتجاوزات على حقوقهم، وعمل على نقل شكاوى العمّال المهاجرين والأردنيين إلى وزارة العمل ومساعدتهم في التسجيل على المنصات الحكومية التي يمكنهم من خلالها الحصول على الخدمات التي يحتاجونها على الرغم من كلّ القيود التي تحدّ من العمل".



من جهتها، ترى المديرة التنفيذية لمنظمة النهضة العربية للتنمية والديمقراطية (أرض) سمر محارب في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "ثمّة وجهات نظر مختلفة حول نشاط مؤسسات المجتمع المدني وعملها في خلال أزمة كورونا"، لافتة إلى أنّ "قدرات مؤسسات المجتمع المدني تختلف من مؤسسة إلى أخرى، في وقت مثّل فيه فيروس كورونا تحدياً جديداً وأزمة معقدة بالنسبة إلى الدولة وكلّ مكوّنات المجتمع". وتوضح محارب أنّ "في الأردن نحو ستة ألاف جمعية ومؤسسة مجتمع مدني، ولم تشركها الحكومة ربّما بسبب العدد الهائل والقدرات المختلفة، فأغلقت الأبواب أمام الجميع تقريباً"، مضيفة: "لا أرى أنّ هذا القرار محقّ فالتشاركية في مواجهة مثل هذه الظروف ضرورة".

وتقول محارب إنّ "الحكومة لم تعطِ تصاريح تحرك للجمعيات، لكنّ تلك التي تملك قدرات كافية استطاعت العمل على الرغم من الظروف. ونحن كنّا نرغب في مشاركة أكبر لهذه المؤسسات حتى تطوّر قدراتها في التعامل مع الأزمات وألا تكون مثل هذه الأزمة فرصة ضائعة لتطوير قدرات المجتمع المدني تحسباً لأيّ ظروف مشابهة في المستقبل". وتنبّه محارب إلى أنّ "استمرار الحكومة بتغييب مؤسسات المجتمع المدني له آثاره السلبية"، مشددة على أنّ "لجائحة كورونا تداعيات مستقبلية، ويجب على الدولة إتاحة المجال أمام هذه المؤسسات للعمل حتى تستمر ثقة المجتمع بها. فما بعد كورونا من آثار اقتصادية يحتاج إلى جهود كلّ الجهات، ومن الممكن أن تؤدي المؤسسات دور حاجز منيع في خلال أزمات مقبلة".

وتشير محارب إلى "صعوبة بالغة واجهت مؤسسات المجتمع المدني في التنقل والحركة في خلال الحظر، وكذلك تخوّف من الاصطدام بالإجراءات الحكومية والتي قد تكون مبرّرة، وهو ما أدّى إلى تفاوت الاستجابات. من جهة إلى أخرى، ثمّة منظمات قامت بدور جيّد في مواجهة التحديات التي فرضتها أزمة كورونا، على الرغم من أنّ مؤسسات كثيرة لا تملك القدرة والخبرات للتعامل مع أزمات مماثلة". ووفق محارب، فإنّ "منظمة أرض شاركت في بعض الجهود في مواجهة الجائحة مع الحكومة، وكان تواصل وتنسيق مع الجهات الحكومية المعنية، لكن ليس في الإطار الرسمي إنّما إجرائياً. وقد تمّ توزيع أربعة آلاف طرد عن طريق وزارة الداخلية والحكام الإداريين".



في السياق، تقول الناشطة الحقوقية والعضو في مؤسسة صداقة (بيئة عمل صديقة للمرأة) ريم أصلان لـ"العربي الجديد" إنّ "الحكومة لم تشرك مؤسسات المجتمع المدني في متابعة قضايا عدّة تتعلق بالعمل والعمّال، ولذلك آثاره على عمل هذه المؤسسات ورسالتها". وتشير إلى "غياب المؤسسات المهتمة بقضايا المرأة وذوي الإعاقة من اللجان الحكومية المرتبطة بأزمة كورونا والتي تمسّ شريحة واسعة من المجتمع. والتحدي الذي واجهته مؤسسات المجتمع المدني كان كبيراً". تضيف أصلان أنّ "ثمّة مؤسسات كثيرة مهتمة بحقوق العمّال، وقد عملت بطريقة مميّزة مع منظمة العمل الدولية في خلال الفترة الماضية، وأتت بجهد يفوق ما يُبذل في المكاتب في خلال الظروف العادية، وتواصلت مع كلّ الجهات المعنية على الرغم من الظروف القائمة". وتوضح أصلان أنّ "مؤسسات المجتمع المدني لم تتوقف عن العمل في مجال التوعية، ولم توفّر أيّ وسيلة يمكن الاستفادة منها إلا وحاولت أن تنشط من خلالها، من قبيل التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعقد جلسات حوار تثقيفية عبر شبكة الإنترنت". لكنّ أصلان تؤكد أنّ "التواصل مع الحكومة كان ضعيفاً، خصوصاً في القضايا التي ترتبط بالأجور، نظراً إلى قلة عدد الموظفين الحكوميين الذين كانوا على رأس عملهم"، مشيرة إلى أنّ "الظروف كانت صعبة ليس بالنسبة إلى الأردن فحسب إنّما لكلّ دول العالم".
دلالات