ترتيب

11 اغسطس 2018
قليل من الراحة (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -
العيش في لبنان لا يحتاج سوى إلى قليل من الترتيب. على مدى السنوات الماضية، بات اللبنانيّون يعانون من شحٍّ في المياه خلال فصل الصيف. وفي كلّ عام، تكثر الشكاوى، خصوصاً من النساء، اللواتي يدرن بمعظمهن، استهلاك المياه في المنازل، سواء تقدير كمية المياه التي يحتجنها لتنظيف البيوت، وغسل ملابس جميع أفراد العائلة، والاستحمام اليومي، وجلي أدوات المطبخ. والبديل متوفّر في حال انقطاع المياه، وهو شراء المياه، إلا أنه يجعل العائلات تتحمّل أعباء مالية إضافية.

وشراء المياه في بلد مثل لبنان يبدو غريباً، إلّا أنّه خرج من دائرة البديهيات منذ زمن. وكالعادة، "تعهّد" المواطنون، الذين تحوّلوا إلى مجرّد "متلقين"، تأمين البديل، وقد وقعوا ضحية "مافيات" جديدة.

لكنّ انقطاع المياه ليس مأساة إلى هذه الدرجة. لنقل: "شوف مصيبة غيرك بتهون عليك مصيبتك". بداية، يجب على كلّ مواطن إلقاء نظرة على حجم المآسي التي تعاني منها دول كثيرة حول العالم، عدا عن الحياة البدائية التي ما زالت موجودة في بعض بقاع الأرض. في بعض المناطق الريفية في إثيوبيا التي لا تشهد حرباً، لكن تغيب عنها خطط التنمية، ما زالت المراحيض موجودة خارج البيوت. ومجرّد تخيّل الحاجة إلى الذهاب إلى المرحاض ليلاً، والتفكير في الاحتمالات التي قد تكون مؤذية للغاية، كافية للاقتناع بمصيبتنا الأكثر لطفاً. ثمّ إن ترتيب الأولويّات يجعل الأمر سهلاً وغير مكلف.

يمكن مثلاً اختيار طهي أطعمة لا تحتاج إلى طناجر كثيرة، وبالتالي توفير استهلاك المياه. ولا داعي للاستمتاع بالمياه الساخنة أثناء الاستحمام، والاكتفاء بالتقيّد بالهدف "الأسمى" من هذا الفعل، وهو النظافة. الترتيب إذاً، قد يؤمّن حقّنا في المياه.

والكهرباء التي يشكو المواطنون من كثرة انقطاعها، تصير ساعات التغذية بها أقصر في بعض المناطق خلال فصل الصيف، الذي يحتاج خلاله الناس إلى تشغيل أجهزة التكييف. والنساء، بحسب الدور الاجتماعي الذي وجدن أنفسهن فيه في حال اتفق على هذه النتيجة، أو التربية، أو الذكورية، أو الطبيعة البشرية، قد يكنّ الضحية الأولى. هنّ سيحتسبن الأطعمة الأكثر صموداً في ظل انقطاع الكهرباء، في حال لم تكن المولدات الكهربائية قادرة على تغطية النقص دائماً. كما أن الكيّ سيقتصر على الملابس الأساسية. ويمكن العودة إلى غسل الملابس يدوياً. ثمّ كيف سيتمكنّ من تصفيف شعرهن قبل خروجهن من المنزل؟




مرة أخرى، الأمر بسيط ولا يحتاج سوى إلى ترتيب. قد يستيقظن قبل التوقيت المعروف لانقطاع الكهرباء. وفي حالات الغدر، يمكن وضع الدبابيس مثلاً. في لبنان، "الترتيب" يؤمّن استمرار العيش.