خلف أبواب موصدة

18 مايو 2020
هل الحجر المنزليّ هو الحلّ؟ (توماس كرونشتاينر/ Getty)
+ الخط -
"البيوت أسرار". هذا ما يُقال. في الواقع، هذه هي الحال ولطالما كانت كذلك... سواءً في زمن مضى حينما كان الجميع يبحث عن "السترة" ويخشى جارة ثرثارة، أو في زمن راهن عند استعراض حيواتنا بتفاصيلها على منصّات تختلف عناوينها الإلكترونيّة. صورنا ويوميّاتنا التي نتشاركها عبر حسابات في فضاء افتراضيّ مفتوح لا تعني أنّنا نكشف ما في دواخلنا. قد نكشف أسرار آخرين ائتمنونا عليها، إلا أنّنا نحرص على كتم كثير ممّا يدور خلف أبواب بيوتنا الموصدة.

اليوم، كثر نحن الذين احتجزنا أنفسنا في داخل جدران بيوت اخترناها أو لم نفعل وأوصدنا أبوابها في وجه جائحة مستجدّة تتسبّب في هلع أهل المعمورة. الحجر المنزليّ واحد من التدابير الوقائيّة التي فرضتها السلطات في مختلف أنحاء كوكبنا الموبوء. هو كذلك بالفعل، وإن كان فيروس كورونا الجديد غير فتّاك. ونتساءل: هل الحجر المنزليّ هو الحلّ الأنجع لمواجهة الأزمة العالميّة الراهنة؟ باستثناء أنّه يقي الأنظمة الصحيّة من إنهاك قد يؤدّي إلى انهيارها في حال تزايدت الحالات التي تستلزم استشفاءً، هو يؤجّل إصابتنا المحتّمة بالفيروس ليس إلا. عاجلاً أم آجلاً سوف نُصاب به، أقلّه معظمنا. هذا ما تؤشّر إليه المعطيات المتوفّرة.

بعيداً عن النقاش الصحيّ البحت في ما يخصّ جدوى الحجر المنزليّ، وذلك الذي يدور حول الأزمات الاقتصاديّة المترتّبة على تدابير ذلك الحجر والإقفال، لا سيّما في البلدان التي تعاني في الأساس، يحكي خبراء عن فوائد في هذا السياق. بالنسبة إلى هؤلاء، من شأن ذلك أن يعيد اللحمة إلى علاقات أسريّة متصدّعة على خلفيّة نمط حياة سريع وتكنولوجيا تعزل أهل البيت الواحد، كلّ خلف جهاز إلكترونيّ. مهلاً. التورّط الإلكترونيّ يبدو أكثر فداحة اليوم. لم يعد الفضاء الافتراضيّ المفتوح فسحة للترفيه فحسب، إنّما صار المدرسة والجامعة ومقرّ العمل وكذلك محلّ العبادة ومركز التسوّق. ذلك الفضاء صار عالمنا.



لا يكفي نشر صور قوالب حلوى أعددناها مع الأولاد أو لمّات عائليّة مع ابتسامات عريضة لتأكيد نظريّة هؤلاء الخبراء. صورنا ويوميّاتنا التي ننشرها ونبثّها اليوم عبر ذلك الفضاء الافتراضيّ هي تماماً كما تلك التي كنّا نتشاركها في الأمس. لا شكّ في أنّ ما يحدث خلف تلك الأبواب الموصدة في وجه الآخر اليوم، على خلفيّة تباعد اجتماعيّ مفروض علينا وإن خرقناه في بعض الأحيان، هو غير ما نستعرضه على المنصّات الإلكترونيّة... مع بعض الاستثناءات بالتأكيد. ونتحايل على عزلتنا المستجدّة، هكذا نظنّ. في الواقع، لا نفعل سوى التحايل على أنفسنا. وهذا التحايل ليس سلبيّاً بالضرورة، ربّما يعيننا على الصمود في وجه أزمات استجدّت من رحم أزمة عالميّة واحدة... ربّما يعيننا على كتم أسرارنا.
دلالات
المساهمون