الأردن نحو تغيرات اجتماعية ما بعد كورونا

05 مايو 2020
زبائنه يقفون بعيداً (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

تتكرّر هذه العبارة: ما بعد كورونا ليس كما قبل كورونا. وفي الأردن، يبدو ذلك حقيقياً، إذ إن التباعد الاجتماعي وإلغاء حفلات الأعراس الكبيرة وتراجع عدد المعزين في المآتم قد تستمر، لما لها من إيجابيات على المجتمع

ترك فيروس كورونا الجديد الذي اجتاح العالم آثاراً على كل تفاصيل الحياة. وفي الأردن، يمكن ملاحظة التأثيرات على التقاليد الاجتماعية المتعلقة بمناسبات العزاء والأفراح وتجنب التجمعات بكل أشكالها والسلوكيات التي قد تؤدي إلى الإصابة بالفيروس.

ومنذ بداية شهر مارس/ آذار الماضي، اضطر الكثير من الأردنيين إلى تأجيل الاحتفال بمناسبات الفرح، كالخطوبة والزواج في ظل هذه الظروف الصعبة، وتزامناً مع التصريحات الرسمية التي حذرت من خطر التجمعات، في الوقت الذي اقتصر فيه تقديم العزاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاركة أعداد محدودة جداً من المقربين في مراسم الدفن.

ويقول الباحث الاجتماعي حسين الخزاعي لـ "العربي الجديد" إنّ المجتمع الأردني وصل إلى مرحلة من الوعي الكامل حيال هذا الفيروس وكيفية انتقاله من شخص إلى آخر، وذلك من خلال الابتعاد عن العادات والتقاليد والسلوك التي قد تضرّ بالمواطنين.



ويرى الخزاعي أنّ الأردنيين سيحافظون على العادات الإيجابية التي اكتسبوها ورافقتهم خلال أزمة انتشار فيروس كورونا الجديد، وسيتخلّون عن تلك التي لها آثار سلبية على الصحة واقتصاد العائلة لأسباب مالية واجتماعية، متوقعاً أن يكون هناك تغيراً كبيراً في الطقوس الاجتماعية والتزاماً بتلك الصحية. ويتوقع ثورة كاملة من قبل نحو 80 في المائة من الأردنيين على العادات القديمة، مع التمسك بتلك التي رافقت جائحة كورونا. ويوضح أن نحو 20 في المائة من المجتمع الأردني لن يحدث لهم أي تغيير، مستنداً إلى دراسة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعىة الأردنية، التي كشفت أن نحو 20 في المائة من الأردنيين غير مقتنعين بخطورة المرض وتداعياته، ولا يعتبرون أنه يشكل خطراً جدياً على حياتهم. كذلك فإنّهم غير مقتنعين بكل الإجراءات التي تقوم بها الحكومة لمواجهة انتشار الفيروس، وبالتالي لن يغيروا سلوكهم.

ويرى الخزاعي أنّ هناك فئة واسعة من الشعب الأردني متضررة من التقاليد الاجتماعية، وخصوصاً لناحية الإنفاق الكبير خلال المناسبات، التي تضطر إلى مجاراة المجتمع في الطقوس الاجتماعية المكلفة في الأفراح والأحزان. وهؤلاء سيحاولون الحفاظ على سلوكهم الجديد حتى بعد السيطرة على الجائحة، لافتاً إلى أن دخل ثلاثة أرباع الموظفين والمتقاعدين في المملكة، وفق تقارير دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، يقلّ عن 500 دينار (700 دولار)، وهؤلاء الأكثر تضرراً من العادات المكلفة مادياً.

ويرى الخزاعي أن الحاجة المادية والظروف الصعبة التي يمرّ بها الأردنيون حالياً ستقضي على ما بقي من ثقافة العيب، وأن منع استخدام السيارات والتزام المواطنين السير على الأقدام سيرسخان نمطاً جديداً من السلوك المرتبط بالمشي، وتقديم التهاني والتعازي عن بعد، مشيراً إلى أن الجائحة زادت من الترابط الأسري عموماً. الأفراد أصبحوا أكثر ارتباطاً بالأسرة الصغيرة بسبب الجلوس معاً لساعات طويلة، إضافة إلى الأسرة الممتدة.

من جهتها، ترى الصحافية إيمان أبو قاعود، المهتمة بالشأن الاجتماعي، في حديثها لـ "العربي الجديد"، أن هناك تغيرات كبيرة ستشمل الطقوس المرتبطة بالمناسبات الاجتماعية بعد الانتهاء من جائحة كورونا، وسيتوجه غالبية المواطنين للحد من التجمعات الكبيرة. مثلاً، احتفالات الزواج التي كانت تشهد مشاركة الآلاف، ستكون مقتصرة على الأقارب من الدرجة الأولى، وربما بادر البعض إلى الكتابة على بطاقات الدعوة "مصافحة فقط" كما كان يكتب في السابق "الرجاء عدم إطلاق العيارات النارية"، أو "عدم اصطحاب الأطفال". وتلفت إلى أن هذا "سيكون تغيراً مهماً بعدما كان التقبيل في مثل هذه المناسبات دلالة على حرارة التهنئة".



تضيف: "في ظل انتشار فيروس كورونا الجديد، باتت مراسم الزواج تقتصر على اصطحاب الزوج زوجته من منزل أهلها، وهذا يعني أن الزواج لا يحتاج إلى كل هذه المبالغات وتلك التي كانت تسبق الخطوبة، والتي تعد من المظاهر المهمة في المجتمع". وتقول: "أما في الأتراح ومناسبات العزاء، فمن الواضح أنه يمكن أن يحدث تغيّر كبير، ويتوقع أن يكون لوسائل التواصل الاجتماعي الدور الأكبر في تقديم العزاء، وبالتالي عدم حصول تجمعات كبيرة". وتلفت إلى أن ما حدث خلال تفشي الوباء وقيام عدد قليل من الأشخاص بمراسم الدفن قد يستمر، ما سيساهم في توفير الكثير من الجهد والوقت، وترسيخ السلوكيات الصحية عبر التباعد الاجتماعي.

وترجّح أبو قاعود أن تساهم هذه الجائحة بخفض التكاليف في المناسبات الاجتماعية، وعدم استئجار الصالات الكبيرة المكلفة والحد من إقامة الولائم في الأعراس ومناسبات العزاء.
دلالات