تلاميذ مأرب يتحملون مآسي الحرب والنزوح

03 فبراير 2017
ساهمت المنظمات في ترميم بعض المدارس (العربي الجديد)
+ الخط -
تستمر محافظة مأرب، شرق اليمن، في استقبال النازحين من محافظات مختلفة. هي موجة بدأت قبل أكثر من عامين من محافظة عمران في البداية، ثم من العاصمة صنعاء. هذا الاستقطاب المتواصل للنازحين فاقم الأعباء التي تواجه المحافظة الصحراوية التي لطالما افتقرت إلى البنية التحتية والخدمات العامة الأساسية والمساعدات الإنسانية وعلى رأسها التعليمية طوال عقود، على الرغم من أنّها أكبر المحافظات في إنتاج النفط والطاقة الكهربائية.

في هذا الوضع، تفضّل أم ذكرى الخولاني إبقاء ابنتها الكبرى في المنزل على الدراسة في الخيام التي خُصصت لتدريس النازحين في مأرب خوفاً عليها من مكروه قد تسببه المظاهر المسلحة في المحافظة التي كانت تعتبر ثاني أكبر مناطق الحرب بعد تعز. تقول لـ"العربي الجديد": "لأسباب كثيرة فضلت إبقاء ابنتي في المنزل، لكنّ أهمها قلقي عليها". تشير إلى أنّها ستحرص على جعلها تكمل دراستها لكن عندما تتوقف الحرب وتعود إلى منزلها في صنعاء.

بدوره، يحمل تلميذ الثانوية محمد العذري هموماً مالية بسبب غلاء المعيشة في مأرب مع كثافة النازحين. يتوق للعودة إلى مدرسته في قريته بمحافظة عمران (شمال) بعد فرار الأسرة مع الوالد الذي كان معرّضاً للاعتقال من جانب جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وهو الذي ينحاز سياسياً إلى خصومهم. يدرس العذري في خيام مؤقتة وفرتها الحكومة لأبناء الأسر التي نزحت من الحرب. يقول: "معي تلاميذ نازحون من مناطق ومحافظات مختلفة، ولأول مرة ألتقي بهم".

يشكو العذري من مشاكل مختلفة تتعلق بالبيئة الدراسية مثل درجة الحرارة المرتفعة. يضيف: "ليست المشاكل التي تواجهني متعلقة بالمدرسة فقط، لكنّ مأرب باتت شديدة الغلاء بعد ازدياد عدد النازحين. بالكاد يمكننا توفير لقمة العيش وإيجار منزلنا. أما توفير نفقات تعليمي وأخوتي فهو محرج لي للغاية. أفكر بالانقطاع عن التعليم والبحث عن عمل وإيجاد دخل يساعد والدي. هذا الأمر يشغل بالي كثيراً، فلا أنتبه إلى الدروس ما يضعف مستوى تحصيلي العلمي". يخلص إلى أنّ حياة النازحين لا تمنح الظروف المواتية للتعليم.

تتعدد المشاكل التي تنطوي على العملية التعليمية في محافظة مأرب، إلاّ أنّ جهوداً بُذلت من أجل تجاوز العديد منها بحسب مدير مكتب التربية والتعليم في المحافظة الدكتور علي العباب. يؤكد العباب أنّ مكتب التربية والتعليم في مأرب استقبل نحو 10 آلاف تلميذ وتلميذة نزحوا من محافظات مختلفة. وتمكنت جهود المحافظة والمنظمات الإغاثية والمؤسسات الخيرية من توفير احتياجاتهم من فصول بديلة ومقاعد.

يضيف العباب لـ "العربي الجديد": "جرى دعم مكتب التربية بنحو 140 خيمة (فصل دراسي بديل) تحتوي على المقاعد الدراسية والطاقة الشمسية والألواح (سبّورات) والمراوح الكهربائية. وقد وزعت التجهيزات على المدارس ذات الكثافة من التلاميذ في مناطق النازحين". يلفت إلى أنّه جرى افتتاح 10 مدارس للنازحين في مناطق مختلفة.

من المشاكل التي جرى تجاوزها أيضاً العجز في الكادر التعليمي، وذلك من خلال فتح باب التعاقد مع المدرّسين مع توفير ميزانية مؤقتة لدفع الرواتب. يشير إلى أنّ هذه الميزانية مؤقتة وفي حاجة إلى الاستدامة عبر مصادر مالية أخرى لضمان رواتب الكادر التعليمي الإضافي الخاص بالنازحين.

وعن المدارس المتضررة من الحرب، يوضح العباب أنّ عدد المدارس المدمرة كلياً في مأرب يبلغ 14 مدرسة، والمدمرة جزئياً 42 مدرسة. يواصل: "بالتعاون مع المنظمات الإغاثية المحلية والدولية مثل منظمة يونيسف، وجمعية قطر الخيرية، جرى الإعلان عن ترميم 14 مدرسة، وما زلنا نبحث عن تمويل لبناء وترميم المدارس المتضررة التي لا تليق بأبنائنا التلاميذ". يشير إلى أنّ منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" قدمت 40 خيمة وأصلحت 1200 مقعد، بالإضافة إلى ترميم 9 مدارس و29 دورة مياه في مدارس الفتيات. كذلك، ستقدم المنظمة 1500 مقعد دراسي، بالإضافة إلى ميزانية تشغيلية لـ6 مدارس.

أما "ائتلاف الخير" و"مؤسسة العون" (منظمتان يمنيتان) فقدمتا 100 خيمة و1000 مقعد دراسي مع تجهيزات طاقة شمسية ومراوح، فيما تعمل "جمعية قطر الخيرية" حالياً على ترميم 6 مدارس متضررة.

يؤكد العباب أنّ مكتب التربية في المحافظة في حاجة ملحّة حالياً إلى بناء بقية ما دمرته الحرب، بالإضافة إلى توفير عقود مؤقتة لنحو 635 مدرّساً ومدرّسة لمواجهة احتياجات التلاميذ النازحين.

بحسب بيانات وزارة التربية والتعليم فإنّ أحد أشد الآثار حدّة على التعليم يرتبط بخسارة الأسر سبل معيشتها. وقد أدى تلاشي الاستقرار الاقتصادي للأسر إلى عجزها عن تحمل نفقات التعليم الأساسي والثانوي في الوقت الذي اضطرت الكثير من الأسر إلى إقحام 21 في المائة من الأطفال تحت سن التعليم في سوق العمل. بذلك، بات اليمن في المرتبة الأولى في الوطن العربي في عمالة الأطفال. أما التلاميذ في المناطق الريفية وفئة النازحين فهم الأكثر تضرراً من الحرب.

المساهمون