"باركور القدس".. اقتناص الحريّة في سماء مدينة مُحتلة

22 ابريل 2014
قفزة في الهواء خلال ممارسة الباركور
+ الخط -



يظهرُ مدربو فريق "باركور القدس" فجأةً على سور المدينة العثماني. يقفزون برشاقة، حتى يُخال للناظرين إليهم أنهم على وشك السقوط. لكن ذلك لا يحصل. فيصفّق المتفرجون بحماسة.

تتطلّب رياضة "الباركور" قدراً عالياً من الجرأة، وخصوصاً أنها تُصنّف بين الفنون القتالية والرياضات المتطرفة. تتضمّن حركات مختلفة كالقفز والدحرجة والجري على الحائط. وصلت إلى القدس المحتلة مؤخراً. ونشأ فريق "باركور القدس" الذي يضم أكثر من 40  طفلاً وشاباً من مختلف الأحياء المقدسية. يلتقي أعضاء الفريق فوق "أسطح الدكاكين" في سوق العطارين في البلدة القديمة عصر الإثنين والجمعةمن كل أسبوع، للتدرب على الحركات البدنية المختلفة. ويتناوب على التدريب، المؤسّسون الثلاثة: محمد البكري (18 عاماً)، قتيبة أبو سنينة (18 عاماً)، وسامي البطش (20 عاماً).

رياضة وفلسفة

يقول قائد الفريق البطش لـ "العربي الجديد": إنّه "تعرف إلى هذه الرياضة من خلال فيلمي B12 ويماكازي". ويضيف أنه "يعشق المخاطرة، وقد تدرّب طويلاً على الباركور منذ عام 2008 حتى باتت أسلوب حياة وفلسفة، وخصوصاً أنها تساعده في التغلب على مخاوفه". ويتابع "لا يمكنني المشي في الشارع كأي إنسان عادي. لا بدّ لي من أداء بعض الحركات وخصوصاً حين أصادف عقبات في الطريق. هي كالطعام، يجب أنّ أمارسها كلّ يوم لأعيش".

العشقُ نفسه يُعبّر عنه البكري. يقول: إنّ هذه الرياضة "تجري في دمه"، لافتاً إلى أنها "تمدنا بالقوة لمواجهة ظروف الحياة الصعبة، وما أكثرها في القدس".

رحلة الفريق

تعرّف الشباب الثلاثة على بعضهم البعض عام 2009، وبدأوا بالتدرب سوياً ومشاهدة فنون هذه اللعبة من خلال فيديوهات على "يوتيوب". تأخّر تشكيلهم للفريق بسبب "حواجز" كثيرة، منها اعتقال البكري من قبل قوات الاحتلال لستة أشهر، ثم سجنه في منزله لمدة عام. التمّ شملُ الثلاثة مرة أخرى عام 2012، ليشكلّوا فريق "باركور القدس"، ويفتحوا باب التسجيل للأطفال، ليتغلبوا على "الحواجز" بطريقتهم الخاصّة.

وفي السياق، أنتج الصحافي الفلسطيني محمد الفاتح فيلماً عن "باركور القدس" بعنوان "فضاء الأزقة". ويلاحظ "اقبال الأطفال على الانضمام إلى الفريق". فيما يرى البطش أن "هذه الرياضة رغم مخاطرها، تُشكّلُ بديلاً للمقدسيين في ظلّ الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي يعيشونه"، مضيفاً أن "الاحتلال يريد لشبابنا تعاطي المخدرات". ويلفت إلى أن "هذه الرياضة تشغل أوقات فراغ الشباب، وتعوضهم عن النقص الكبير في النشاطات والمرافق الرياضية في القدس".

أما عن اختيارهم لأسطح البلدة القديمة للتدرب، فيقول البكري: إنها "الأنسب بسبب كثرة الحواجز والقباب، وخصوصاً أنه لا يوجد نوادٍ رياضية مجهّزة". يحلُمُ الشباب الثلاثة بتأسيس نادٍ رياضي والعمل على تحقيق أفضل النتائج. ويلفت الفاتح إلى أن "شباب الباركور يستطيعون التمثيل في الأفلام، أو الظهور في إعلانات محلية"، آملاً الحصول على الدعم الرسمي غير المشروط من وزارة الرياضة والشباب الفلسطينية.

مضايقات  

تقع البلدة القديمة على مقربة من بيوت يقطنها مستوطنون، يدّعون أن أطفالهم يتعرضون للضرب على أيدي أطفال الباركور، لتُخلي شرطة الاحتلال المكان على الفور. ويقول البطش إنه "في بعض الأحيان، يُفتّش جنود إسرائيليون حقائبنا ويطلبون بطاقاتنا، ويأمروننا بالنزول عن السطوح". ويتابع أنهم "جلبوا أكثر من مرة فرشات لتساعدهم خلال التدريبات وأبقوها في مكان التدريب، ليجدوها محروقة أو مسروقة بعد أيام على يد المستوطنين".

وسبق أن أوقفت شرطة الاحتلال أحد أعضاء الفريق لـ 24 ساعة لكتابته "باركور القدس" على حائط قريب. ويضيف البطش أنهم "حُرموا أكثر من مرة من التدرب يوم الجمعة تزامناً مع منع قوات الاحتلال الرجال دون الخمسين من دخول الأقصى للصلاة".

يرفض أعضاء الفريق اللعب في فرق إسرائيلية، مشيرين إلى أنّ "هناك محاولات لاستقطابهم للتدرب في نوادٍ إسرائيلية تحت شعار أن الرياضة توحّد الأعداء". كذلك، يرفضون إجراء مقابلات مع صحافيين إسرائيليين. يقولون: إن "الباركور هو وسيلتهم لاقتناص لحظات من الحرية في واقع مُقيّد".

 

دلالات
المساهمون