ترك التعليم بعد ضربه على وجهه

09 مايو 2016
حالياً، يعمل في بيع الخضار (العربي الجديد)
+ الخط -

كان صالح عبد الرازق الغزّي (مواليد عام 1939) قد اضطرّ إلى الخروج من فلسطين تاركاً بلدته الزيب القريبة من البحر، وهو طفل، حاله حال الكثير من الفلسطينيّين. حتّى اليوم، ما زال قادراً على رسم خريطة بلدته، ولم تنسه السنوات الطويلة معالمها. يقول: "كنت في الصف الثاني أساسي حين خرجت وعائلتي من فلسطين. كان والدي بحاراً، وكنا نملك البساتين، ونعيش في خير". يروي ما قاله له والده. "أخبرني أن اليهود دخلوا القرية بينما كان يسهر عند جار يدعى أبو حسين الجمال". يضيف نقلاً عنه: "دخل خمسة أشخاص علينا وأخبرونا أن اليهود اعتدوا علينا بالضرب وأخذوا ملابسنا. وبعدما تناولوا الطعام وخرجوا، عادوا مجدداً عند الساعة الثانية عشرة ليلاً فرحين وهم يقولون إن العرب انتصروا ثم غادروا عن طريق البحر". يضيف: "لأن أبي وأبو حسين بحارة، عرفا أن الشباب توجهوا إلى نهاريا. فقال أبو حسين إن هؤلاء الرجال من اليهود، ومجيئهم إلى بلدتنا بهذه الطريقة مخيف".

في اليوم التالي، داهم الصهاينة البلدة ليلاً، وبدأوا بإطلاق الرصاص على من كان فيها. وبعد خمسة عشر يوماً على هذه الحال، خرج جميع الأهالي منها، ولم يبق فيها أي فلسطيني. يوضح: "ما زالت حتى اليوم، على حد علمي، غير آهلة بالسكان".

وعن قصّة لجوئه، يقول: "بعد اشتداد المعارك، قرر والدي الخروج من البلدة. توجهت وأمي وأبي وأشقائي إلى بلدة جويا (جنوب لبنان). استقبلنا أهلها بالترحاب وأمنوا لنا بيتاً لنسكن فيه. إلا أن أبي لم يتمكن من إيجاد عمل، فصار يبحث في مناطق أخرى. بعدها، تركنا جويّا وتوجهنا إلى بلدة الحنية في الجنوب اللبناني أيضاً، ومكثنا فيها مدة سنتين. فيها، وجد أبي عملاً وصار قادراً على تأمين مصاريفنا. ثم انتقلنا إلى مخيّم عين الحلوة في مدينة صيدا (جنوب لبنان). في البداية، سكنا في شادر. في فصل الشتاء، وعندما تكون الرياح قويّة، كنا نمسك بالحبال التي تربط الشادر بالأرض حتى لا يطير ونصير في العراء".




لم يتمكّن الغزي من مواصلة تعليمه. يقول إنه ترك المدرسة في الصف الرابع أساسي. في ذلك الوقت، كان صفه مقسماً إلى أربع شعب، وقد وضع مدير المدرسة الناجحين في صف والراسبين في آخر. أراد أن يضعه في صف الراسبين علماً بأنه كان من المتفوقين. يضيف: "رفضتُ طلبه وأخبرته أنني أريد البقاء في صفّي ومع رفاقي، فضربني على وجهي. في اليوم التالي، عندما جئت إلى المدرسة، توجهت مباشرة إلى صفي الأساسي. وحين رآني أرسل بطلبي، وقال لي إنه في حال تفوقت في صفي الذي اختاره لي، سيرفعني بشكل مباشر إلى الصف الخامس الأساسي. رفضتُ طلبه وأصرّيت على البقاء في صفي، إلا أنه كان يرفض وكان يضربني دائماً. في ظل هذه المعاناة، تركت المدرسة وتوجهت إلى العمل في صيد الأسماك كون هذه المهنة هي مهنة العائلة التي أتقنها".

كذلك، عمل في بساتين الليمون. وعندما قصف الطيران الإسرائيلي مخيم عين الحلوة وتصدّعت بيوت كثيرة، بدأ في جمع الأخشاب لترميمها. في ذلك الوقت، كان في الخامسة والثلاثين من عمره، وكان متزوجاً ولديه أولاد. عمل مع مقاول في منطقة وادي الزينة في إقليم الخروب، ثم سافر إلى أبو ظبي حيث عمل لمدة عام. بعدها، قرر العودة إلى المخيم والعمل فيه. وبعد مرور بعض الوقت، سافر إلى اليمن بعد حصوله على فرصة عمل مع إحدى الشركات. وبعد انتهاء عقد العمل، رجع إلى لبنان وعمل في مطار بيروت لمدة خمسة أعوام. وفي الوقت الحالي، يعمل في بيع الخضار.

يختم حديثه قائلاً إن "الفلسطيني محروم من حريّته. فإذا ما كان قادراً على شراء بيت أو أرض، فإنه لا يستطيع تسجيلهما باسمه". يبدو راضياً عن حياته بعض الشيء، وإن تبخّرت أحلامٌ كثيرة. بالنسبة إليه، تبقى المأساة الأكبر يوم اضطر إلى ترك بلدته وبلده وبساتينه وبحره. ولأنه لن ينس ما عاشه فيها، سيظلّ يرسمُ أحياءً لطالما مشى فيها وأصدقاؤه.