جزيرة دنماركية لعزل طالبي اللجوء

11 ديسمبر 2018
جيران الجزيرة متخوفون (العربي الجديد)
+ الخط -

مع التشدد اليميني في الدنمارك ضدّ طالبي اللجوء، تبرز مشاريع تسعى لعزلهم في أماكن بعيدة عن المجتمع، منها مشروع جزيرة ليندهولم الذي يواجه معارضة.

لطالما سعى حزب الشعب الدنماركي اليميني المتشدد، لتمرير خططه لعزل طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم، ويرفضون التعاون لترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، في جزيرة دنماركية غير مأهولة. وعلى الرغم من ضغطه على حكومة يمين الوسط في هذا الاتجاه، في سياق التصويت لموازنة العام المقبل، فإنّ هذا المخطط بدأ يواجه معارضة ومصاعب كبيرة، مالية وشعبية، بعدما خرجت الكلفة الحقيقية إلى العلن الأسبوع الماضي.

مشروع اليمين المتشدد يهدف إلى إنشاء مركز ترحيل لاجئين، ليضم 125 طالب لجوء، من بينهم أصحاب سوابق جنائية، على جزيرة ليندهولم الصغيرة إلى الجنوب من العاصمة كوبنهاغن، التي لا تبعد سوى مئات الأمتار عن اليابسة.

جزيرة ليندهولم استخدمت منذ عام 1926 كمصحات للحيوانات المريضة، خصوصاً الأبقار والخنازير، لكن جرى إغلاق آخر مصحة حيوانات صيف العام الماضي 2017، وكانت حظائرها تتبع "الجامعة التقنية الدنماركية".

طرحت فكرة نقل طالبي اللجوء بشكل عام إلى جزر نائية قبل 18 عاماً على لسان وزيرة الداخلية السابقة، من يسار الوسط الديمقراطي كارين إسبرسن. لكنّ إسبرسن تحولت فكرياً منذ ذلك الحين إلى يمين الوسط ثم إلى اليمين المتطرف اليوم، وتقود موقعاً إخبارياً يعادي المهاجرين بشكل عنيف. ويعتبر المقترح اليوم بمثابة انتصار لفكرة إسبرسن، إذ عندما طرحت الفكرة عام 2000 لاقت هجوماً لاذعاً وقوياً من معظم القوى والأحزاب، فيما اليوم تنحصر المعارضة في التكاليف المالية، باستثناء انتقادات الوجه الإنساني وتكلفته عند أحزاب يسارية وقوى حقوقية. هذا التحول يراه خبراء دنماركيون مؤشراً على تغيرات طرأت في الرأي العام مع تنامي أزمات الهجرة واللجوء في البلاد.




قد يبدو الأمر بسيطاً، لكنّ جزيرة ليندهولم المملوكة للدولة ليست فيها مياه صالحة للشرب أو أبنية لإيواء طالبي اللجوء. وبذلك، ارتفعت الأصوات الرافضة للفكرة في الأيام الأخيرة، حتى بين رؤساء بلديات قريبة من الجزيرة، وسياسيين يتبعون حزب "فينسترا" الليبرالي الذي يتزعم حكومة ائتلاف يمين الوسط.

التكاليف المالية لتأسيس مركز ترحيل معزول فوق الجزيرة في نهاية 2019، وفقاً للاتفاق، دفعت كثيرين إلى التهكم ومهاجمة الفكرة، التي اعتبرت "رمزية" لتحقيق رغبات اليمين المتشدد في دعواته المتكررة على مدار السنوات الماضية لنقل طالبي اللجوء إلى جزر معزولة في استحضار وتسويق للنموذج الأسترالي.

وبحسب الأرقام التي كشفت عنها الموازنة، فإنّ إيواء الأعداد القليلة من 100 إلى 125 طالب لجوء مرفوضين، ستكلف دافعي الضرائب نحو 759 مليون كرونه (نحو 116 مليون دولار أميركي) على مدى 4 سنوات. وما أثار الشارع الدنماركي، والطبقة السياسية، حتى في يمين الوسط، أن كلّ طالب لجوء من هؤلاء سيكلف سنوياً 1.8 مليون كرونه (274 ألف دولار) من جيوب دافعي الضرائب، بحسب أرقام وزارة المالية، فقط لإبعادهم عن المدن وبانتظار ترحيلهم. ويجري هؤلاء مقارنة بين افتتاح مركز ترحيل على جزيرة ليندهولم والمخيم الحالي الذي يضم هؤلاء المرفوضين في كيرسهودغورد، في شبه جزيرة جوتلاند، غير البعيد عن المدينة الثانية في الدنمارك، آرهوس، إذ لا يكلف طالب اللجوء، أو الأجنبي المطلوب تسفيره، سوى 250 ألف كرونه سنوياً.

يثير المشروع ما يشبه الغضب في أوساط الحقوقيين والصحافة وأفراد من المجتمع الدنماركي. فإلى جانب مخاوف السكان القريبين من الجزيرة، التي يمكن الخروج منها سباحة إلى مناطق مأهولة قريبة جداً، إذ إنّ من بين من سينقلون إليها "مجرمين أنهوا عقوباتهم بانتظار ترحيلهم إلى دولهم". يبدي متخصصون مخاوفهم من "تأثير العزل على حالتهم النفسية، ومخاوف من إقدامهم على أفعال يائسة".



الدفاع المستميت عن الفكرة من وزيرة الهجرة في الحزب الحاكم، إنغا ستويبرغ، المعروفة بتشددها في قضايا اللجوء، جعلها تقترب أكثر من اليمين المتطرف، على حساب برلمانيي حزبها الذين يبدي بعضهم اليوم معارضة قوية لتنفيذ المشروع. ويبدو أنّ السجال الشعبي والإعلامي أدى إلى تراجع عدد من البرلمانيين في يمين الوسط، ممن أيدوا مشروع الجزيرة في البداية. بعض هؤلاء ينطلق في معارضته لجزيرة ليندهولم تحديداً بسبب "التكاليف الباهظة" بحسب عضو البرلمان عن الحزب الحاكم، ماركوس كنوت.

وإلى جانب معارضة اليسار الدنماركي لهذا المشروع، يبرز موقف منظمات تعنى باللاجئين ومؤسسات حقوقية معارضة ترى فيه "حلاً سيئاً" كما في موقف "مجلس اللجوء الدنماركي". وبالرغم من ذلك، يؤيد يسار الوسط مشروع "عزل أصحاب الجنايات" على الجزيرة، كما يرى مقرر شؤون الهجرة والدمج في الحزب الاجتماعي الديمقراطي (معارضة) ماتياس تيسفايا. يقول إنّ "عزل هؤلاء على الجزيرة أفضل لهم، كي يقتنعوا أنّ مستقبلهم ليس في الدنمارك. وبذلك، نجعل البلد أقل جاذبية لأمثالهم".




الجدير بالذكر أنّ طالبي اللجوء المخطط لعزلهم على الجزيرة، هم ممن رفضت طلباتهم، وظلوا ينتظرون سنوات من دون أن يتعاونوا لإثبات هويتهم لترحيلهم إلى دولهم الأصلية، ومن بينهم عرب وإيرانيون وأفارقة وآسيويون. بالإضافة إلى هؤلاء، هناك مجموعات ممن سحبت إقاماتهم نتيجة ارتكابهم جرائم، وأتموا محكومياتهم في السجون لكن ينتظرون تنفيذ الإبعاد إلى دولهم الأصلية، وهؤلاء أيضاً لا يتعاونون في الرحيل الطوعي.

ويتهم اليسار ومنظمات حقوقية اليمين المتشدد ويمين الوسط الحاكم أنّ خطوته بتأسيس مركز ترحيل على جزيرة معزولة وغير مأهولة "ليست سوى خطوة سياسية رمزية لإثبات التشدد في مجال الهجرة". ويبدي المواطنون من مؤيدي اليمين المتشدد دعمهم لعزل اللاجئين عموماً، ومشروع مخيم الجزيرة خصوصاً، لكنّ بعضهم يبدي اليوم غضبه بسبب التكلفة المالية الكبيرة التي ستدفعها خزينة الدولة الممولة أيضاً من ضرائبهم.



يذكر أنّ المئات يعيشون في الدنمارك بشكل غير قانوني، ويجري اعتقال بعضهم ووضعهم في مخيمات ترحيل، تشبه السجون، ويمنع على هؤلاء الخروج والتواصل مع العالم الخارجي. وهناك مئات آخرون من طالبي اللجوء رفضت طلباتهم، خصوصاً من ارتكبوا جرائم وسجنوا، ما حرمهم من الإقامة أو دراسة طلباتهم.

يعاني سكان تلك المخيمات المفتوحة من مشاكل مع المحيط الدنماركي، فنتيجة ظروفهم المالية السيئة، يسرق بعضهم، ويصعد إلى الحافلات والقطارات من دون دفع الرسوم، وتقع مشادّات معهم أثناء توقيفهم. مثل هذه القصص تنتقل كالنار في الهشيم في المواقع الإخبارية، ما يثير جواً سلبياً بحق المهاجرين عموماً. وفي مثل هذه المراكز المخصصة لمن سحبت إقامتهم، يقيم أيضاً من جرى تجريده من الجنسية والإقامة، خصوصاً أفراد عصابات من المقرر ترحيلهم إلى دولهم الأصلية.

من جهتهم، يسعى الإيرانيون لوقف الترحيل بتغيير الديانة إلى المسيحية، وهو ما يثير لغطاً إعلامياً باتهامهم بأنّهم يحاولون استغلال تعاطف المسيحيين. في المقابل، ترفض سفارة إيران في كوبنهاغن الاعتراف بجنسية الإيرانيين المقرر ترحيلهم.




وتمنع القوانين ترحيل الشخص إن لم يتعاون بإثبات هويته، من خلال صورة عن جواز السفر أو أو بطاقة هوية، وهو ما يفرض على سفارات الدول استصدار وثائق مؤقتة للترحيل. وفي الوقت نفسه تستطيع السلطات، إذا ما عثرت على ما يثبت هوية الشخص أخذه عنوة إلى الطائرة برفقة أمنية لتسليمه إلى سلطات بلاده، وهو ما يحدث مع جنسيات عربية ومع طالبي اللجوء الأفغان عادة.
المساهمون