طالبات مغربيات في أحياء جامعية

24 فبراير 2017
يدرسن في الرباط (عبد الحق سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -
غزلان ومريم وفوزية ثلاث طالبات جامعيات ينحدرن من مناطق مغربية مختلفة، لكن يجمعهن الحي الجامعي "السويسي" في العاصمة الرباط. الأحياء الجامعية في المغرب تتركز في كلّ من الرباط والدار البيضاء وفاس ووجدة والجديدة وعدد من المدن الجامعية الأخرى، وتضم نحو 68 ألف طالب وطالبة. وهي مؤسسات تابعة للجامعات يأوي فيها الطلاب الذين يفدون من مناطق بعيدة لمتابعة دراستهم.

غزلان بنستار (20 عاماً) تتابع السنة الثانية في اختصاص الحقوق في جامعة "محمد الخامس" بالرباط. تقول لـ "العربي الجديد" إنّها عانت نفسياً في الأيام والشهور الأولى بعد مغادرتها أسرتها التي تقطن في صفرو، المدينة الهامشية وسط البلاد، فهي لم تكن يوماً معتادة الابتعاد عن والديها وأشقائها. تتابع: "مكثت في الأيام الأولى أبكي في سريري والطالبات نائمات، كنت أتذكر والدتي، وكيف غادرت فجأة بيتي الدافئ، وهاجمتني الوساوس من كلّ
حدب وصوب، فبدأت أخشى من المصير الذي ينتظرني".

مرّت الأيام الأولى على غزلان في الحيّ الجامعي كئيبة، فكانت لا تعرف كيف تواجه الحياة بعيدة عن عائلتها الصغيرة التي خرجت لأول مرة في حياتها من دائرتها. وقد لاحظت زميلاتها حزنها وانطواءها الشديد اللذين أثّرا سلباً في نتائجها في السنة الجامعية الأولى.

يقول المعالج النفسي محمد قجدار لـ"العربي الجديد" إنّ تغرّب الطالبات عن أسرهن من أجل متابعة دراستهن في المؤسسات والمعاهد العليا، يثير في أغلب الأحيان مشاعر الكآبة لديهن بالإضافة إلى التمزق النفسي ما بين الرغبة في البقاء إلى جانب الأم والأب والأخوة، وما بين الرغبة في الانعتاق واكتشاف الحياة المستقبلية.

يضيف أنّ عيش طالبة تأتي من منطقة جغرافية بعيدة، ولم يسبق لها الافتراق عن أحضان أمها، قد يؤدي إلى أمراض نفسية تلاحق مسار الطالبة المغتربة إذا ما استسلمت لمشاعرها السلبية. يتابع أنّ اغتراب هؤلاء الطالبات اللواتي يقمن في الأحياء الجامعية، أو يستأجرن بيوتاً في المدن التي يتابعن فيها دراستهن، يمكن أن يتحول إلى طاقة إيجابية تفيدهن إذا تضافرت جهود العائلة والطالبة ومحيطها القريب خصوصاً صديقاتها. وبذلك، تواجه الغربة بالوعي بما ينتظرها من تحديات وآمال في تحقيق مستقبل يعوضها عمّا تعانيه.



تعود غزلان لتقول إنّها اجتازت السنة الجامعية الأولى بصعوبة بالغة، بسبب تأثرها ببعدها عن أسرتها الصغيرة، وعدم انسجامها مع زميلاتها داخل غرفتها بالحي الجامعي. تضيف أنّها استدركت الوضع في نهاية السنة، وحاولت التأقلم مع وضعها الجديد لتتابع حياتها كما هي لا كما تريدها أن تكون.

أما مريم، وهي طالبة جاءت من إحدى القرى في جنوب المغرب فتقول لـ "العربي الجديد" إنّها لم تعانِ كثيراً من الغربة مثل غزلان، كونها هيأت نفسها من قبل لمثل هذه التغيرات. مع ذلك، فقد عانت من نظرة المجتمع إليها، سواء بين معارفها، أو وسط أهالي منطقتها. تشرح مريم أنّ أول ما واجهته كانت نظرات الريبة خصوصاً في قريتها، فقد بدأت تسمع تعليقات النساء عن فتاة متمردة ومتحررة غادرت بيتها في اتجاه العاصمة لأسباب لم يستوعب أحد أنّها متعلقة بالتحصيل الدراسي. تقول إنّ أوصافاً من قبيل "المتمردة" أو "الجريئة" وتساؤلات حول جدوى سفرها إلى مدينة بعيدة باتت تلاحقها كلّما عادت أدراجها إلى قريتها، لإمضاء العطل الدراسية، وهو ما كان يؤرقها نفسياً، لكنّه لم يحدّ من عزيمتها على مواصلة مشوارها، كما تؤكد.

من جهتها تسرد فوزية، الطالبة في كلية العلوم، لـ"العربي الجديد" كيف تعيش العديد من الطالبات مشاكل الاندماج في المدينة، خصوصاً من يأتين من مدن صغيرة أو مناطق بدوية. تقول: "طالبات كثيرات يتفاجأن بمتغيرات عدة في المدينة الكبيرة التي تضم الحيّ الجامعي... أنا نفسي شعرت بنفور شديد من عادات المدينة وطقوسها وضوضائها وسلوك سكانها".

تتابع أنّ سكان المدينة لا يشبهون سكان القرية، فالعادات مختلفة، وطريقة الحديث أيضاً، وكذلك معايير الحشمة والحياء، وهو ما أدى إلى "خلل داخلي" لديها دام مدة طويلة قبل أن تتدارك الأمر، وتستعيد توازنها النفسي والاجتماعي والدراسي.  الباحثة في علم الاجتماع ابتسام العوفير تعلق على هذه التحولات الاجتماعية بالقول إنّه ليس بالأمر السهل الانتقال من حيز جغرافي وديموغرافي يتسم بنوع معين من العادات والقيم إلى آخر مخالف تماماً طفالتغيير يُحدث غالباً شرخاً اجتماعياً لا يلتئم إلاّ بحسب قدرة كلّ شخص على مواجهته والتأقلم معه".