تجّار البشر... ضحايا جدد على الحدود السورية - التركية

14 اغسطس 2019
من ضحايا الأزمة السورية (عمر حاج قدور/ فرانس برس)
+ الخط -

تستمرّ معاناة السوريّين نتيجة الحرب السورية والتصعيد العسكري، وتستمرّ رغبة المواطنين في اللجوء إلى تركيا من خلال الاستعانة بمهربين، يتركونهم أحياناً في منتصف الطريق ليلاقوا مصيرهم. وعلى مدى الأشهر الماضية، سقط الكثير من الضحايا.

مئات الأشخاص الذين يحاولون اجتياز الحدود السورية إلى الأراضي التركية من خلال المهربين، إما يصابون وإما يقتلون سنوياً. ويزدهر عمل هؤلاء في ظل تصاعد وتيرة الأحداث في الشمال السوري، وازدياد الطلب على الدخول إلى تركيا. ويتراوح السعر ما بين 300 دولار أميركي و2000 دولار، بحسب طريقة التهريب وصعوبتها. ومع تفاقم الأحداث في سورية في ظل عمليات التصعيد الأخيرة التي شنّتها قوات النظام السوري وروسيا على مناطق ريف حماة الشمالي والغربي وريف إدلب الجنوبي، بدأت المخاوف تزداد لدى الكثير من السوريين ممن نزحوا، في موجة اعتبرها مراقبون الأوسع منذ بداية الأحداث السورية. ويخشى المدنيون في الشمال السوري أن يكون هناك اتفاق أو خطة للسيطرة على كامل المنطقة المحررة في الشمال، وذلك عبر تفاهمات ما بين الجهات المعنية والمتصارعة في المنطقة، ما دفع بآلاف الذين كانوا يقبعون في مناطق ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي والغربي، إلى النزوح باتجاه الشمال السوري حيث المخيمات والعديد من القرى والبلدات الحدودية، في حين يفكر كثيرون في الخروج من سورية إلى تركيا عبر طرقات غير نظامية. ويتزامن الأمر مع تشديدات وتعقيدات أمنية تركية يصعب تخطيها، ما زاد نشاط سماسرة التهريب إلى تركيا وضاعف أرباحهم.

وخلال الأشهر الأخيرة، ازدهرت تجارة تهريب البشر إلى تركيا بوسائل مختلفة. وقد ألقي القبض على كثيرين، عدا عن إصابة ومقتل آخرين أثناء محاولاتهم عبور الحدود. وتتفاوت المبالغ التي يتقاضاها المهربون بحسب الوسيلة المعتمدة ومدى خطورتها، وقد تكون المشي لساعات طويلة أو تهريباً بإذن رسمي ربما يكلف صاحبه آلاف الدولارات.

عبد الرحمن السويد (22 عاماً) ينحدر من قرية اللبويب في جبل شحشبو في ريف حماة الغربي. يقول إن والدته زهية الأحمد وقعت ضحية سماسرة التهريب، إذ تركها المهرب تعبر الحدود بمفردها بعدما أخذ منها المال، فقتلت برصاص قناصة حرس الحدود تاركة خلفها طفلين كانا برفقتها في الطريق. ويقول لـ"العربي الجديد": "بعد بدء عمليات التصعيد الخطيرة في المنطقة، توجهنا إلى مخيم دير حسان في ريف إدلب الشمالي. كانت الأحوال المعيشية في المخيم سيئة للغاية. بقينا فيه نحو شهر وقد عانيت وعائلتي بسبب سوء الأوضاع المادّية، بعدما تركنا كل ما نملك في منطقتنا من جراء النزوح"، على حد تعبيره.




يضيف السويد: "بقينا في المخيم بعدما عجزنا عن تأمين منزل بالإيجار، في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات. والدي طاولته قذيفة مدفعية سقطت قرب منزلنا في منتصف عام 2015، وتحملتُ مسؤولية العائلة. طلبت مني والدتي تأمين طريق لها للعبور إلى تركيا. وكانت تنوي الذهاب إلى شقيقها الذي يعيش في مدينة الريحانية، من أجل التخلّص من آثار النزوح. وبعد بحث طويل عن طريقة للدخول، تمكنت أخيراً من التواصل مع أحد الأشخاص الذين يعملون في مجال تهريب البشر إلى تركيا، وذلك بعد وساطة من أحد أبناء قريتي". ويشرح السويد أن المهرِّب "طلب منا دفع 350 دولاراً أميركياً عن والدتي و150 دولاراً عن كل طفل، ما يعني 650 دولاراً أميركياً". ويكمل السويد أنه "بعد دفع المبلغ وانطلاقهم إلى الحدود السورية - التركية، حدثت الفاجعة بعدما وقعت والدتي ضحية هذا السمسار، الذي لا يعرف الإنسانية على الإطلاق. تركها على بعد مسافة نحو نصف ساعة سيراً على الأقدام من الحدود التركية، وأخبرها بأن تنطلق على أن يكون صديقه في انتظارها. وبعدما قطعت نصف المسافة تقريباً، أردتها رصاصة قناصة حرس الحدودي قتيلة في مكانها. أما الطفلان، فقد هربا عائدين ليصادفهما أحد الأشخاص". بعدها، قدم عدد من عناصر الحرس الحدودي التركي، وكأنهم شعروا بالحرج نتيجة ما فعلوه. ثم وضعوا الجثة في سيارة مخصصة، وسمح للطفلين بالعبور إلى مدينة الريحانية، بحسب ما يروي السويد. وبعد انتشار الخبر، ذهب السويد برفقة عدد من الأشخاص لتسلّم الجثة. ويشير إلى أن ما حدث كان "مأساة حقيقة وفاجعة بكل معنى الكلمة. آمل أن يوضع حد لهؤلاء السماسرة وتجار الدم الذين لا هدف لهم سوى جمع المال".

محمود برو الخشن من سكان قرية سندة الواقعة شمال مدينة دركوش في ريف إدلب الغربي، يتحدث لـ"العربي الجديد" عن مقتل شقيقه في منتصف شهر إبريل/ نيسان عام 2019، على يد قوات حرس الحدود التركية، بعد وقوعه ضحية في أيدي سماسرة التهريب وتجار الدم. ويوضح أن شقيقه عبد المهيمن أراد الذهاب إلى تركيا للعمل هناك، بعدما ضاقت فرص العمل في سورية، ولم يتمكن من العثور على عمل هو الذي يعيل ستة أفراد ولا يملك أيّ دخل. سابقاً، كان يبيع اللحوم، لكنه توقف بعدما سرقت عدّته وخسارته. وتوجه في شهر إبريل الماضي برفقة عدد من الأشخاص من رجال ونساء، ومعهم شخص يعمل في مجال التهريب، إلى الحدود السورية ـ التركية.

يتابع الخشن سرد القصة: "رحلة العبور كان يفترض أن تبدأ من معبر اليمضية من خلال قارب لعبور النهر. وادعى المهرّب أنه حاصل على إذن للعبور من أحد الضباط المسؤولين عن نوبة الحراسة، لكنه سرعان ما ترك من معه بحجة عدم وجود جوّ مناسب بعدما قطعوا مسافة طويلة. وما إن تقدموا، حتّى بدأت قوات الدرك التركية تطلق الرصاص باتجاههم، فهرب الجميع تاركين وراءهم شقيقي الذي أصابته طلقتان إحداهما في كتفه اليسرى والأخرى في خاصرته، ليسقط قتيلاً بسبب هؤلاء السماسرة الذين باعوا أبناء وطنهم وتركوهم لمصيرهم المجهول في مقابل حفنة من الدولارات".




وتسبب النزاع المستمر منذ عام 2011، في سوريا، والذي أودى بحياة أكثر من 370 ألف شخص، بتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها. ومن بين ملايين اللاجئين إلى الخارج، يقطن نحو 3.5 ملايين في تركيا وحدها، وفق تقديرات الأمم المتحدة. وبدأت أنقرة في الأسابيع القليلة الماضية في تطبيق إجراءات جديدة على السوريين، منها ما يصل إلى حدّ إبعادهم إلى الأراضي السورية في حال عدم حيازتهم أوراق الحماية المؤقتة المطلوبة، أو إبعادهم إلى الولايات التي حصلوا منها على تلك الأوراق، إذا كانوا يعيشون في ولايات أخرى.