حدث يوماً... يحدث دوماً

31 اغسطس 2016
على حساب وزارة الصحة (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
يرقد (س.) هادئاً في سريره في مأوى لكبار السن تديره إحدى الجمعيات الدينية التي ينتمي إليها. يبدو مستسلماً لقدره بعدما عانى من جلطة قبل سنوات شلّت نصفه الأيسر حتى بات عاجزاً عن استعماله. لم تنفع العلاجات الطبية والحركية في استعادة ما خسره. يمضي وقته بين مشاهدة التلفزيون وسماع الراديو بعد أن فقد إمكانية القراءة بسبب ضعف بصره الأصلي والذي ازداد تفاقماً. يبكي كلما جاءه زائر كأنه يعتذر بدموعه عن عجزه عن الاحتفاء به. تتولى عائلته الإنفاق على إقامته. تتدبر دفع مبلغ يصل الى 1500 دولار شهرياً مقابل بقائه في المأوى بعد أن عجزت زوجته عن الاستمرار في خدمته منزلياً باعتبار أن الأبناء مسافرون.

حالة (س.) ليست يتيمة إذ تشابه قصصاً كثيرة من الذين انتهى بهم المطاف في مأوى، علماً أن كثيرين لا تتوفر لهم الإمكانات للوصول إليها. كثيرون بمئات الألوف تتقطع بهم السبل ولا يستطيع ذووهم تأمين البدل الشهري المرتفع، ولا يجدون المؤسسات الحكومية التي تستقبلهم.

في قانون الضمان الاجتماعي اللبناني يستفيد الأجير من الطبابة والاستشفاء ما دام في العمل أي حتى سن الـ 64 عاماً، وعندما يتقاعد يخرج منه، وعليه أن يتدبر نفسه على حساب وزارة الصحة. يحصل الأجير هذا على تعويض يعادل راتب شهر عمل عن كل عام وهو مبلغ متواضع إذا ما قورن بحاجاته الصحية، بمعنى أن الضمان يقدم للأجير ضماناً صحياً واستشفاء في الوقت الذي لا يحتاج إليه، وعندما يصبح بحاجة ماسة إلى ذلك يتنكّر له. أجر استشفاء أو جراحة واحدة قد يكون أضعاف ما يحصل عليه من تعويض. هذا مع العلم أن المستفيدين من خدمات صندوق الضمان لا يتجاوزون ثلث السكان. الباقون من مزارعين وفلاحين وصيادين وعمال مياومين وحرفيين وغيرهم لا علاقة لهم بالمؤسسة، بإمكانهم الحصول على خدمات استشفاء من وزارة الصحة بواقع نسبة 85 %، وعليهم دفع نسبة 15 % وفي الدرجة الثالثة وليس الثانية.

هناك الكثير من القصص عن أحوال كبار السن وكلها تؤشر الى قصور من وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية ككل الوزارات العربية. والنتيجة أن لا أندية خاصة بهم ولا مراكز علاج متخصصة ولا مراكز ترفيه. وما على اللبنانيين إلا أن يتدبروا أمور آبائهم وأمهاتهم بأنفسهم. بعض الهيئات والجمعيات الطائفية تنشئ دور رعاية وتقدم هذه مساعدتها للمنتمين إليها وعلى نفقة وزارة الشؤون الاجتماعية. توزع المبالغ المرصودة في الموازنة بناء على "كوتا" - حصص - طائفية. والكثير من المؤسسات تحوّلت الى مزاريب ذهب لمؤسسيها. منذ عامين هزت البلاد فضيحة تتعلق بواحدة من دور الرعاية التي تتولى استقبال كبار السن. كشفت الصحف عن جثث مهترئة في الأسرة وعن نوعية طعام تعافه الحيوانات وعن قاذورات وأوساخ تحيط بالعشرات من المسنين العاجزين... باختصار جرى تسليع كبار السن وباتوا مجرّد ذبائح تنتظر السلخ المادي والمعنوي المستمر.

*أستاذ جامعي

المساهمون