مجازر الطيور الحديثة

10 ديسمبر 2018
طيور مهاجرة (دان كيتوود/ Getty)
+ الخط -
يقول المثل الشعبي "عيش كتير بتشوف كتير". لم يخطئ هذا المثل أبداً، خصوصاً في مجال الابتكارات المستحدثة في قتل الطيور بالجملة، ليس كهواية صيد أو كرياضة، بل للقتل من أجل القتل. بعد اعتداء البعض على الطيور باعتماد الحيلة المتمثلة بجلبها من خلال تقليد أصواتها، أو من خلال استعمال الفخاخ والسموم والطعم والدبق ومجسمات الطيور الثابتة والمتحركة، تطورت الحيلة إلى إشعال النار، إذ تفهم الطيور أن هناك حريقاً فتأتي لتأكل الحشرات الطائرة أو الزاحفة الهاربة من الحريق، فيصطادونها بالجملة، علماً أن هذه الطيور (الورور أو السنونو) مفيدة للغابات والمزروعات والإنسان.

وتطوّرت الحيلة إلى رسم أشجار على الجدران وتسليط الضوء عليها، لأن ذلك يجلب الطيور المهاجرة الليلية كالسمن والهوازج. ما إن ترى الضوء على الشجرة، تهبط بسرعة إليها وتصطدم بالحائط وتقع مغشياً عليها أو ميتة. ويضع البعض أشجارا يابسة على سطوح منازلهم، ويسلطون الضوء عليها، لتأتي الطيور المهاجرة، فيبدأ أصحاب المنازل إطلاق الأعيرة النارية عليها.

ويدرك البعض أن الحمام الصخري يبيت في شبه آبار صخرية خالية من المياه، فأصبحوا يرمون في هذه الآبار أكياساً محترقة من الخيش الذي يصدر عنه دخان كثيف ثم يغطون مدخل البئر بشبك. وعندما يبدأ الحمام بالفرار، تراهم يضربونه على رأسه بخشبة من فوق الشبك فيقع، ثم ينزلون إلى البئر الجاف لالتقاط الطيور المقتولة. وبما أن قمم الجبال العالية تكون جرداء وخالية من الأشجار بسبب البرد والثلج والمناخ الصعب، فإن بعض الناس يستفيدون من هذا الوضع ويحملون معهم شجرة ويثبتونها على قمة جبل أجرد لتجذب إليها الطيور التي يتفننون بقتلها من مخابئهم.

وعلى ضفاف البحيرات، هناك أناس يستخدمون كرافانات متنقلة قرب المياه ليصطادوا من نوافذها البط والطيور المائية ليلاً. وفي الصحاري، يحفرون في الرمال حوضاً يملؤونه بالمياه، ويكون ملاصقاً لجدار رملي يصنعونه ويختبئون خلفه. ففي حال جاءت الطيور المائية، أطلقوا النار عليها من فوق الجدار الرملي. بذلك، يحصدون المئات مما يؤكل أو لا يؤكل من أصناف الطيور.

مع مرور الوقت، استفاد المخالفون لقوانين الصيد من العلم أكثر وأكثر، وأصبحوا يطبقون ما يشاهدونه على الإنترنت. باتوا يستخدمون شباك الصيد التي يستعملها علماء الطيور على امتداد عشرين متراً على الأكثر، والتي يلزمهم إذن رسمي لاستعمالها. أما مخالفو القوانين، فيستعملونها من دون إذن، وينصبونها لتكمل الأخرى على امتداد مئات الأمتار. فتكون النتيجة الإمساك بالآلاف من الطيور المتنوعة، منها ما هو ميت ومنها ما هو حي، فيبيعونها إلى أصحاب المطاعم على الرغم من أنها "فطيسة" أي كانت ميتة في الشباك بسبب برد الليل أو حرارة النهار.

هؤلاء استفادوا من العلم مرة أخرى وأصبحوا ينتظرون الطيور ببنادقهم عند ممرات الهجرة التي رسمها علماء الطيور، ثم تطوروا بعدما شاهدوا تلك الطائرة الشراعية المشهورة التي تواكب رحلة الإوز الكندي أثناء الهجرة، فصنعوا طائرة شبيهة، لكن هذه المرة كانوا مزودين ببنادق لإطلاق الأعيرة النارية على الطيور المحلقة من الجو.




مجازر الإبادة هذه ليست محصورة على الأرض، بل هي في السماء أيضاً. فأين يذهب الطائر بعد هذا وكيف يمكنه حماية نفسه من الشر البشري؟ إذا ما استمر الأمر على هذا النحو، ستنقرض الطيور لا محالة، ويعيش الإنسان مأساة ما بعد عصر الطيور. والحل القريب هو تطبيق القانون وزيادة حملات التوعية وحصر الصيد في مناطق صيد مسؤول محكم المراقبة.

*اختصاصي في علم الطيور البريّة
دلالات
المساهمون