إخوة التغريب والغربة

29 يونيو 2016
يُخشى من تغييرات ديموغرافية (فرانس برس)
+ الخط -
ألقى اللجوء السوري بأثقاله على كلّ من لبنان والأردن حيث البنية المجتمعية هشة وسريعة العطب. لنبدأ مع لبنان باعتبار أنّ العدد الأوفر من اللاجئين السوريين قصده، بالنظر إلى أنّ المواطن السوري كان يدخل إليه قبل المحنة من دون تأشيرة وبالهوية الشخصية.

الإحصاءات تتحدث عن نحو 1.1 مليون لاجئ في لبنان. البعض يرفع العدد إلى مليون ونصف المليون، بإضافة أسر العاملين في لبنان من العمال والحرفيين السوريين إلى اللاجئين. مثل هذا العدد الكبير بات يهدد التركيبة السكانية القائمة على ما يشبه التوازن الطائفي على الصعيد السياسي والإداري. فبموجب اتفاق الطائف تم إقرار المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في البرلمان (عددهم 128 نائباً) وفي وظائف الفئة الأولى. أما الرئاسات فتتوزع عُرفاً على رئاسة الجمهورية للموارنة، ورئاسة البرلمان للشيعة، ورئاسة الحكومة للسنّة. لكنّ معظم اللاجئين ينتمون إلى الطائفة السنية، ما يثير مخاوف كلّ من المسيحيين والشيعة على حد سواء.

مصدر المخاوف مردّه التقديرات الدولية التي تقول إنّ 80 في المائة من اللاجئين لن يعودوا إلى بلادهم. هنا تعود المخاوف من التوطين إلى الظهور ثانية، بعدما كانت حصرياً موجهة نحو الفلسطينيين. يبدو اللاجئون الفلسطينيون الآن أهون الخيارين، ما يعني أنّ السوريين سيرجحون كفة الطائفة التي ينتمون إليها. وعليه، فإنّ نسبة الطائفة السنية سترتفع إلى أكثر من 50% من مجمل السكان، ما قد يدفع البعض إلى المطالبة بإعادة النظر بالميثاق الوطني وتوزيع المناصب والرئاسات.

وكما لبنان، يخشى الأردن تغييرات ديموغرافية بالرغم من أنّ عدد اللاجئين السوريين على أراضيه الواسعة لا يزيد عن 629 ألفاً، خصوصاً بعد ضبط حركة الدخول.

لكن، لا بنية طوائفية في الأردن كتلك اللبنانية. المعادلة فيه تقوم على الثنائية الأردنية - الفلسطينية، وهي تهتز الآن على وقع الإضافة السورية. وفيما كان الأردن مجتمعا ثنائي الانتماء بين عشائر بدوية تنتسب إلى شرق الأردن والفلسطينيين اللاجئين وجلهم من أصول فلاحية، إذ به اليوم يستقبل ضغط اللجوء السوري. هذا العدد الجديد سيجعل من القبائل الأردنية مجرد أقلية.

يجب أن يضاف إلى العامل السياسي في كلا الدولتين تردي أوضاعهما الاقتصادية ومحدودية المساعدات وحدّة المنافسة على سوق عمل مأزوم في الأصل، مع أوضاع بنية تحتية باتت أشد عجزاً عن توفير المياه النظيفة والتخلص من النفايات وتوفير الطاقة والمسكن والمدرسة وما شابه. وعليه، فإنّ اللبنانيين والأردنيين يشعرون بالغربة في أوطانهم وسط تغريبة أعم وأشمل.
 
*أستاذ جامعي


 
المساهمون