الفلسطيني رائد جرادات.. شهيد النخوة

30 أكتوبر 2015
الشهيد رائد جرادات (فيسبوك)
+ الخط -


في فلسطين، كل شهيد يرتقي فداء الوطن، يحظى بلقب خاص، يرافق اسمه كلما ذُكر، وهذا رائد جرادات الذي نَشر قبل استشهاده على صفحته في "فيسبوك" صورة الشهيدة دانية ارشيد (16 عاما) وهي مضرجة بدمائها، وكتب عليها بالبنط العريض "تخيلها أختك"، فكان شهيد النخوة.

الشهيد جرادات (22 عاماً) لم يحتمل رؤية صورة ابنة فلسطين التي قتلها جنود الاحتلال الإسرائيلي قرب الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، وتركوها تنزف على الأرض حتى فارقت الحياة، فأصبح ردة الفعل الأولى صبيحة الإثنين، عند بيت عينون حيث جنود الاحتلال متواجدين دائماً في المكان.

شقيق الشهيد التوأم، نضال جرادات، بدأ حديثه لـ"العربي الجديد" عن توأم روحه كما وصفه، قائلاً "رائد غالي على قلبي كثير، مش ممكن أتخيل الدار والمحجر بدونه، لكن الحمد لله، فداء الأقصى وحرائر الأقصى نعتبره عند الله شهيداً، وفلسطين لن تتحرر إلا بانتفاضة السكاكين".

ويضيف "كنت دائماً أشعر بوجع أخي، فعندما يؤلمني شيء ما في جسدي أسأله عبر الهاتف إن كان يؤلمه شيء، فكان يتألم مثل ألمي، فنضحك لأننا تقاسمنا الألم"، ويكمل "كنت في العمل صباح يوم استشهاده، شعرت بوخزة أوجعت صدري، فعلمت أن مكروهاً أصاب أخي، وجاء خبر استشهاد أحد الشبان في طرف القرية، فصرخت هذا رائد هذا رائد".

رائد، الطالب في جامعة القدس المفتوحة قسم المحاسبة، في مدينة الخليل، يدرس نهاراً ويساعد إخوته ووالده في الليل، حيث كان يحرس محجراً لهم في بلدتهم سعير، شمالي مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة.

ويكرر توأم الشهيد اللقب الذي توسم به رائد، ويقول: "أخي ليس أفضل من كل الشهداء الذين قضوا من أجل الأقصى، فأخي شهيد النخوة، والذي استفزه إجرام الاحتلال وإعدامه للشهيدة دانيا ارشيد، فلبى نداء صرخاتها وألمها وانقض على الجنود طاعناً أحدهم طعنة قاتلة".

عاد رائد من المحجر صباح الإثنين، اغتسل ولبس أجمل ملابسه، سأل أمه: "حلوة لبستي يما؟". فأجابته: "القالب غالب يما". قبّل يدها وسلم عليها وخرج، مر على جدته وقبّل يدها، وفي طريقه نحو الجامعة مر على أخته وأهداها قلادة، ثم ودعها وخرج نحو شهادته. هكذا روى رشاد شقيق الشهيد الأكبر آخر لحظات رائد.



ويقول رشاد "كان رائد غامضاً نوعاً ما، رغم أنه في أيامه الأخيرة كان يقبّل رأسي كلما رآني، لكني أبداً لم أفكر أن قبلاته هذه ستكون الأخيرة، ولم أشعر بنية الإقدام على الشهادة عنده".

اقرأ أيضاً: الآلاف يشيعون الشهيد جرادات في الخليل

تتكون عائلة رائد من أحد عشر فرداً، أربع بنات وخمسة شبان، بالإضافة لوالديه، ونشأ وسط عائلة تتمتع بحالة مادية جيدة، فالوالد يملك معملاً لصناعة الحجر ويعمل فيه أبناؤه.

صديق الشهيد وابن عمه، ساري جرادات، بدّل اسم ابنه فور سماعه بنبأ استشهاد رائد: "هاني ابن الأربعين يوماً، صار منذ الآن رائد تيمناً وفخراً باستشهاد صاحبي في عملية الطعن التي نفذها"، يقول ساري.



أحد أصدقاء رائد يروي أنه كان نداً في مواجهة المحتل، ويقول "عندما كان عمره 16 عاماً، ذهب ليلقي زجاجة حارقة على المحتل، فلم يجد قطعة قماش ليسد بها الزجاجة، فاستخدم جرابه حينها حتى لا يعود دون أن (يفش غله) بالمحتل، اعتقل رائد وقتها، وحُول للتحقيق ثمانية أيام، ولم تستطع مخابرات الاحتلال أن تنتزع منه اعترافاً واحداً، فأطلق سراحه، وكانت أيام التحقيق تبني في نفسه جبالاً من حقد وكراهية لمحتل لا يعرف الرحمة، وكان يوم استشهاده هو يوم الثأر، ويوم إفراغ السم من داخله ليعلق في عنق جندي قتله، وإعلام الاحتلال يخفي ذلك".

لو بحثت عن حساب الشهيد على "فيسبوك" الذي يعج الآن بآلاف الزوار من كل صوب وحدب، ستلحظ بشكل واضح عزمه على الانتقام، وتأهبه للمحتل، وإيمانه بانتفاضة السكاكين، رائد الرد الأول على جريمة إعدام فتاة الخليل، رائد الشاعر الذي يكتب الخواطر والشعر ويترك توقيعاً باسمه آخر النص، قلبه مليء بالحياة والحب، رحل وعلّم كل فلسطيني كيف يعشق وكيف يرسم بخطواته الطريق إلى فلسطين.
دلالات
المساهمون