تونسيون يخشون انقطاع عادات عيد الفطر

23 مايو 2020
مشهد لن يتكرر في هذا العيد (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، ينهمك التونسيون في الاستعداد لعيد الفطر. وهذا العام، يدركون أنّ العيد لن يكون كما الأعياد السابقة نتيجة أزمة كورونا والاستمرار في التضييق على التجمعات والتنقل بين المحافظات، وهو ما يحرمهم من الالتقاء والاحتفال بواحدة من أهمّ المناسبات العائلية التي تعيد أهل تونس إلى جذورهم. ففي هذا العيد الذي اصطلح على تسميته محلياً "العيد الصغير"، فرصة لا تفوتها الأسر للتزاور والاحتفال كلّ بحسب عاداته وقدرته، فيما الملابس الجديدة والحلويات وأطباق العيد الخاصة حاضرة في كلّ بيت.

ويصرّ التونسيون هذا العام على عدم قطع العادات على الرغم من ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، من خلال المحافظة على أكبر قدر ممكن من طقوس العيد. وبمجرّد إعلان الحكومة تخفيف إجراءات الحجر الصحي وإعطاء الضوء الأخضر للمحلات لفتح أبوابها مجدداً، اندفع التونسيون نحو التسوّق وإعداد الحلويات.

ويحلّ العيد بحسب لبنة القابسي وسط ظروف لم يسبق لها أن عاشتها في خلال السنوات الأربع والأربعين من عمرها، لكنّها تؤكد أنّها تسعى إلى إشاعة أجواء الفرح في بيتها في هذه المناسبة وإن من دون اقتناء ملابس جديدة لأبنائها بحسب ما جرت العادة. وتقول القابسي لـ"العربي الجديد": "أقنعت أطفالي الذين عاشوا بصعوبة ظروف الحجر المنزلي بمزيد التريّث وبإرجاء شراء الملابس إلى ما بعد تحسّن الوضع الصحي وسماح الحكومة للمواطنين بالتنقل بين المحافظات حتى يتسنّى لهم اختيار أحسن الملابس من كبرى المراكز التجارية". لكنّها تؤكد أنّ "تغيير العادات عموماً ليس بالأمر الهيّن، وقد اتّخذت قراراً بالامتناع عن زيارة كبار السنّ في عائلتي والاكتفاء بالمعايدات الهاتفية، بهدف حمايتهم، خصوصاً أنّني أقابل يومياً عشرات الأشخاص بحكم عملي في مركز للخدمات الاجتماعية".

وعيد الفطر مناسبة ينتظرها الصغار قبل الكبار، فهي تعني لهم ثياباً جديدة وهدايا ومهبة (عيدية). كذلك يمثّل العيد فرصة للمّ الشمل واجتماع العائلات ومناسبة للبهجة، فكثيرون يقرنون موسم العيد بأفراحهم وحفلات الخطوبة وعقد القران تبرّكاً بهذه المناسبة الدينية المهمة.



الحاجة الزهراء الزمني في التسعين من عمرها، تخبر "العربي الجديد": "عشت ظروفاً صعبة على امتداد سنوات عمري، منها الحرب العالمية الثانية وأحداث عائلية عدّة وظروف الثورة، لكنّني لطالما أصررت على بقاء بيتي مفتوحاً أمام أبنائي وأحفادي وجيراني في عيد الفطر، لأنّه البيت الكبير ويجمع الكلّ". لكنّ الأمر اختلف هذا العام الأمر، فالحاجة الزهراء لن تفتح بابها يوم العيد، بعدما تقطعت السبل بعدد من أبنائها في دول المهجر وهم ما زالوا ينتظرون فتح المجال الجوي ليلتقوا بها من جديد. وهكذا، ستقضي العيد في بيت إحدى بناتها حيث تلتزم بالحجر المنزلي منذ بدء أزمة كورونا. لكنّ الحاجة الزهراء تؤكد أنّه "بمجرّد تحسّن الوضع وفتح الطرقات بين المحافظات، سأعود إلى بيتي وأعوّض طقوس العيد وأوزّع الحلويات على جيراني وأقدّم العيدية إلى كلّ أطفال العائلة".

وفي ظلّ استمرار غلق المساجد، لن تصدح في أحياء تونس ومدنها هذا العام تكبيرات العيد ولن يُسمع دويّ طلقات المدفع الثلاث التي تعلن عن انتهاء شهر رمضان، كذلك ستخلو طرقات المدن العتيقة من خرجات (مواكب) صباح العيد التي تتّجه إلى المساجد فيما المشاركون فيها من رجال ونساء يهللون ويكبّرون. يُذكر أنّ التونسيين، خصوصاً سكان الأحياء التونسيّة العتيقة، ينظّمون ما يُسمّى بـ"خرجة العيد" التي يجتمع فيها أكبر عدد ممكن من المصلين ويسيرون معاً نحو المساجد حيث يؤدون صلاة العيد. ويلتحق المؤمنون تباعاً بخرجة العيد مع تقدّمها في الأحياء، وهم يهتفون "الله أكبر الله أكبر ولله الحمد لا إله الا الله".

وفي المحافظات الداخلية التي باتت شبه خالية من فيروس كورونا، يصرّ التونسيون على الاحتفال بالعيد الصغير من دون قيود أو نقصان، وهم يخططون للتزاور بين الأسر مع احترام شروط التباعد الاجتماعي. وفي غياب الأراجيح والاستمرار في غلق المساحات الخاصة بالترفيه، تنوي العائلات إفساح المجال أمام صغارها لمشاركة أقرانهم اللعب في الأحياء، بهدف التخفيف من ضغوط الحجر المنزلي التي عانوها طويلاً، لا سيّما مع إنهاء العام الدراسي مبكراً وانقطاع اللقاءات بينهم وبين زملائهم.

وتبذل وزارة الصحة في تونس جهوداً مضاعفة من أجل إقناع التونسيين بالتقيّد بقوانين الحجر المنزلي الموجّه واحترام التباعد الاجتماعي في زياراتهم العائلية بمناسبة العيد، وتجنيب الفئات الهشّة من كبار السنّ أو المصابين بأمراض مزمنة خطورة العدوى. أمّا الجهات الصحية فترى في عيد الفطر اختباراً جديداً للتونسيين المطالَبين بالمحافظة على النتائج المحققة وتجنيب بلادهم موجات عدوى جديدة بعد بلوغ صفر عدوى لأيام عدّة وارتفاع عدد حالات التعافي إلى أكثر من 80 في المائة من مجموع المصابين.



تجدر الإشارة إلى أنّ قطع العادات لدى التونسيين أمر جلل لا يتقبّلونه بسهولة، ويتداولون في لغتهم العامية دعوات لمنع انقطاع العادات ومنها "الله لا يقطعلنا عادة"، ما يؤكّد تمسّكهم بكل ما يربطهم بتاريخهم الذي يحافظون عليه وتتوارثه الأجيال عبر يومياتهم ومناسباتهم وكذلك مطبخهم. ولعيد الفطر مطبخ خاص يميّز كلّ محافظة عن أخرى، إذ تُحضّر الملوخية على موائد أهالي مدن الشمال الغربي، فيما يزيّن طبق الشرمولة والسمك المملح موائد أهل صفاقس، أمّا بعض من أهالي الجنوب فيستهلون أوّل أيام العيد بأكلة مدمّس الفول.