نيويورك ليست لجميع أهلها

12 أكتوبر 2015
مواطنون في نيويورك (أندرو رينيسين/Getty)
+ الخط -


أزمة السكن في نيويورك ليست جديدة، لكن يبدو أنها تتفاقم في ظل ارتفاع بدلات الإيجار. أمر دفع عمدة المدينة إلى وضع خطط جديدة وزيادة الاستثمارات لتأمين مساكن للمواطنين.

إذا كنت تفكر بالانتقال إلى السكن في مدينة نيويورك، ولم تكن تملك مالاً وفيراً أو عملاً جيداً، فعليك مراجعة حساباتك. وهناك عدد لا بأس به من سكانها من ذوي الدخل المحدود مهددون بتركها أو العيش في ملاجئ المشردين أو مشاركة مساكنهم مع آخرين، في حال استمرت أزمة السكن هذه، والمتمثلة بارتفاع بدلات الإيجار، على حالها. ويتبادل مواطنون في نيويورك الشكوى والتذمر بسبب غلاء المساكن، علماً أن 70 في المائة منهم يعيشون بالإيجار، وقد لا يتمكنون من شراء منزل طوال حياتهم.

في هذا السياق، يقول باحثون إن المعادلة لتوفير مستوى معيشي مقبول تفترض أن يدفع المستأجر ثلث راتبه أو أقل للسكن، كي يتمكن من تغطية بقية مصاريف العيش والحفاظ على مستوى معيشي جيد. وعلى الرغم من أن هذه الحسبة لا تنطبق عادة على كثير من المدن الكبيرة، إلا أنه يبقى لمدينة نيويورك خصوصيتها في ظل الغلاء. وتشير دراسة صادرة عن مدونة "ستريت إيزي"، المتخصصة بشؤون السكن، إلى أن معدل متوسط الإيجار للسكن في مدينة نيويورك سيصل عام 2015 إلى 2700 دولار شهرياً.

وتجدر الإشارة إلى أن المدينة الكبرى في الولايات المتحدة، ومركزها الاقتصادي والثقافي، مقسمة إلى خمس مناطق، وهي مانهاتن وبروكلين وكوينز وبرونكس وستاتين أيلاند، ويعيش فيها أكثر من 8 ملايين نسمة. ويتفاوت بدل إيجار الشقق بين المناطق الخمس. إلا أن مانهاتن، المقسمة بدورها إلى مناطق، تعد قلب المدينة كونها مركزها الاقتصادي والثقافي. وبطبيعة الحال، هي الأكثر غلاء بجميع المقاييس.

ويعيشُ عدد لا بأس به من الأغنياء والمشاهير في أحياء مانهاتن، ويصل بدل إيجار شقة مؤلفة من غرفتين إلى 3895 دولار شهرياً. كما أن كثيراً من الذين يعملون في مطاعم أو فنادق أو متاجر يعيشون في أطراف المدينة أو خارجها، ويحتاجون نحو ساعتين ونصف يومياً للتنقل في المواصلات العامة ذهاباً وإياباً، حتى لو كانوا يسكنون في مدينة نيويورك نفسها، بحسب تقرير لمركز "سيتي هابيتا". ويعود أحد أسباب ارتفاع الأسعار إلى زيادة الاستثمار في عقارات نيويورك خلال السنوات الأخيرة. كما أن كثيراً من الأغنياء من الصين وروسيا والبرازيل وحتى العرب، يشترون عقارات في نيويورك بأسعار خيالية، ما ينعكس بصورة إيجابية على ارتفاع بدل إيجارات الشقق وأزمة السكن.

في السياق، تقول الإحصائيات الرسمية لمدينة نيويورك إن معدل بدل إيجار شقة مؤلفة من غرفتين يصل إلى 1638 دولاراً شهرياً. لكن هذه الإحصائيات لا تعطي صورة حقيقية عن الواقع، وخصوصاً أنها تشمل نيويورك وضواحيها، الأمر الذي لا يعكس أزمة السكن الحقيقية، وخصوصاً أن نحو 50 في المائة من العائلات في المدينة تعد من ذوي الدخل المنخفض، والمنخفض جداً. وبحسب الإحصائيات الرسمية، فإن دخل العائلة يعد منخفضا إذا ما كان يتراوح ما بين 23 و38 ألف دولار في العام، ويكون منخفضاً جداً حين لا يتجاوز الـ 23 ألف دولار.

وليس صدفة أن أحد المواضيع الساخنة جداً خلال انتخابات عمدة نيويورك التي أجريت قبل نحو سنتين، كانت متعلقة بالسكن وارتفاع بدلات الإيجار، التي لا تتناسب ومستوى الدخل الذي لم يشهد ارتفاعاً. ويصل عدد المشردين في المدينة إلى أكثر من 50 ألف شخص، كنتيجة لسياسة عمدة المدينة السابق مايكل بلومبرغ.

وبهدف محاربة أزمة السكن وارتفاع بدلات الإيجار، وضع عمدة نيويورك بيل دي بلازيو خطة تقضي بتوفير 200 ألف وحدة سكنية في مدينة نيويورك ببدلات إيجار مقبولة. ولتحقيق هذا الهدف، وضعت المدينة برامج عدة، منها تهدف إلى تشجيع المستثمرين على بناء عمارات، وتخصيص وحدات سكنية لعائلات لن تتمكن من دفع بدلات الإيجار.

أيضاً، هناك محاولة للحد من محاولات بعض أصحاب الشقق دفع بدل خروج لمستأجرين يسكنون في إطار نظام حماية المستأجرين القدامى. يضاف إلى ذلك ترميم بعض المباني. وأخيراً، أعلنت المدينة أنها تمكنت من توفير أكثر من 20 ألف شقة بأسعار مقبولة لأكثر من 50 ألف مواطن، 8500 شقة منها هي ضمن الوحدات السكنية المبنية حديثاً. ويعد هذا الرقم الأعلى منذ تأسيس قسم السكن والتطوير المديني في نيويورك عام 1978.

ونفذت هذه الخطة بعد استثمار نحو 618 مليون دولار في مشاريع متنوعة. وبحسب إحصائيات المدينة، فإن 85 في المائة من هذه البيوت كانت لعائلات مصنفة بأنها ذات دخل منخفض لأقصى حد، وأخرى ذات دخل منخفض جداً، وثالثة ذات دخل منخفض. في هذا السياق، قال عمدة المدينة إننا "نرى أعمال حفر لتشييد مبان جديدة أكثر من أي وقت مضى. سنقوم بكل ما في وسعنا لتبقى هذه المدينة للجميع". ولفت إلى أنه من الضروري أن نعمل على إتاحة وتمكين سكان نيويورك للبقاء في أماكن سكنهم، تلك الأماكن التي ساعدوا وعملوا طوال حياتهم على تكوينها وبنائها".

أيضاً، تنوي المدينة تخصيص نحو 8.5 مليارات دولار خلال السنوات العشر المقبلة، لبناء وحدات سكنية جديدة وتوسيع الأحياء وكل ما يتطلبه ذلك من بنية تحتية ومكتبات وحدائق عامة ومواقف للسيارات وغيرها. في المقابل، تحذر منظمات مدنية عدة من الانبهار بتلك الأرقام، لأن التفاصيل هي الأهم دائماً، والطبقات الفقيرة جداً ما زالت الأكثر تضرراً.

إقرأ أيضاً: اللامساواة تكذّب "الحلم الأميركي"