أم عبده الجزّارة لا تهاب السواطير

28 يونيو 2015
(العربي الجديد)
+ الخط -

بعدَ وفاة والدها، اضطرت أم عبده (45 عاماً) إلى العمل في الجزارة. كان يملك محلاً كبيراً في منطقة إمبابة. منذ كانت في الرابعة من عمرها، كانت ووالدتها تساعدان الأب في عمله. اعتادت المهنة ولم تكن تخشى أدواتها المخيفة كالساطور والسكاكين وغيرها من الأدوات. تعرف جيداً أن هذه الأدوات تستخدم في العمل فقط، ولم يحدث أن تشاجر والدها مع أحدهم واستخدم سكيناً أو ساطوراً طوال حياته.

تقول أم عبده إن المهنة "تُعلّم الأمانة والصبر". توضح أن "الجزّار ليس قاتلاً". لا تخافُ استخدام السكين أو الساطور، مشيرة إلى أن زوجها يعمل جزّاراً أيضاً. بعد وفاة والدها، أصرّت على أن يبقى محله مفتوحاً. أما زوجها، فلم يمانع الأمر. كان داعماً لها على عكس ما ظن كثيرون. توضح أن "مهنة الجزارة علّمتني التركيز. لا أشعر بالضيق لأن والدي أجبرني على ترك المدرسة من أجل العمل. فقد أحببت المهنة وصادقتُ زبائن المحل. ولأن زوجي يعملُ في المجال نفسه، قسّمنا الوقت في ما بيننا، ما ساعدني على تربية أولادي الأربعة".


لم تُواجه أم عبده أي مشاكل مع زوجها. تشرح: "كان يقول دائماً إنني بمائة رجل. يقدّر مدى اهتمامي بأولادي وحرصي على تعليمهم". لا تخاف على بناتها من عدم الزواج. تقول: "لا حرج من عملهن معي في هذه المهنة"، ولا تخشى عدم موافقة أحد على الزواج بهنّ. أصرّت على تعليمهن، وترى بأن "الرجل الذي يرى عيباً في كوننا نعمل في الجزارة لا يستحق الزواج من بناتي".

تختلف نظرة المجتمع للنساء اللواتي يعملن في مهن صعبة. كثيراً ما يتعرّضن للانتقاد، لكن أم عبده لم تواجه أي مضايقات، ولا تكترث إن كان السبب "خوفهم" منها. لا تهتم لرأي الآخرين. تقول: "أعرف جيداً كيف أواجه كل من يحاول السخرية مني. لا أجد عيباً في مهنة الجزارة. ليس من حق أحد انتقادي بسبب سعيي لكسب لقمة العيش". إلا أنها تشكو من ضعف الإقبال على الشراء في هذه الأيام، وتذمّر المواطنين من ارتفاع الأسعار ورفضهم الشراء منها بعكس السنوات الماضية.

وعن متاعب مهنة الجزارة، تقول إنها تكمن في التعامل مع الزبائن، وتحمّل الرائحة الكريهة، ورؤية منظر الدماء، وحمل أوزان ثقيلة، والتعامل مع التجار بلغة السوق. تشير إلى أن "هذه المهنة تحتاج إلى ثقة بالنفس وقوة وصلابة. لذلك، يجدها كثيرون صعبة، لكنني اعتدت عليها".

تجدر الإشارة إلى أن هناك خلافاً حول ذبح المرأة للحيوانات في الإسلام. يقول أستاذ الشريعة في كلية دار العلوم فرج مسعود إنه "على الرغم من الخلاف حول حكم ذبح النساء للحوم، يجيز الإمامان الشافعي ومالك الأمر، وإن كان مكروهاً. إلا أن عدداً من العلماء يرون أنه لا بأس بذلك، إذا كانت تعرف بشروط الذبح، وذكرت اسم الله".


من جهته، يرى الباحث الاجتماعي رشيد أسامة أن النساء اللواتي يعملن في مهن صعبة يكنّ أكثر إخلاصاً وإتقاناً في العمل، بهدف إثبات أنهنّ لسن أقل من الرجل. يضيف: "علينا الاعتراف أن أولئك النساء لا يلجأن إلى احتراف تلك المهن إلا بعد إكراههن على العمل فيها، بسبب الظروف المعيشية الصعبة. وعلى الرغم من كونهن ضحايا، إلا أن المجتمع يرفض عملهن بمهن مماثلة ليس خوفاً عليهن، لكن بسبب احتكار الرجال لها".

في السياق، تقول الطالبة في كلية التجارة في جامعة عين شمس، بسمة حسن، إنها لا ترى مشكلة في عمل المرأة في الجزارة، وخصوصاً أنها مربحة شرط أن يكون مكان العمل بعيداً عن الناس، حتى لا تتعرّض للانتقاد. من جهتها، تقول الطالبة منار كشك إنها لا يمكنها أن تتخيّل نفسها في ذلك الوضع، علماً أنه لكل شخص ظروفه التي تدفعه لاتخاذ قراراته، ولا يمكنها لوم أحد.

أما هاجر نجيب، وهي ربة منزل، فتقول إنه "لا حرج من العمل في أي مهنة، حتى لو كانت الجزارة". تضيف: "إذا رفضني الشباب بسبب الجزارة، لن أبتعد عن المهنة وأستسلم لأفكارهم الخاطئة".

وإلى رأي الشباب، يقول الطالب في كلية التجارة في جامعة القاهرة محمد سمير: "بالتأكيد، لن أقبل الارتباط بفتاة تعمل في الجزارة. فمن اعتادت مسك السكين تستطيع أن ترفعه عليّ في أي لحظة غضب. كما أن تنشئتها وسط جزّارين سيجعل التعامل معها صعباً".


من جهته، يشترط محمد عمرو، وهو محاسب، أن تكون زوجته من وسطه الاجتماعي والثقافي. "كما هو معروف، يتزوّج الطبيب من طبيبة والمهندس من مهندسة. على الأقل، يجب أن يكون هناك تقارب في المستويين الثقافي والاجتماعي". أما الطالب في كلية الحقوق سعد الوكيل، فيقول: "لا أريد أن أتزوّج من فتاة تقول لي يا معلم أو يا أسطى، أو تعاملني كأحد الصبية في محلها".

وفي السياق نفسه، يقول الطالب في كلية الآداب كمال شريف إن "الفتاة بطبعها رقيقة. هذه المهنة لا تليق بالفتيات. وفي حال عملن فيها، سيتحوّلن إلى فتيات متنكّرات بزي رجال، ما يؤثر على طباعهن ويخالف الطبيعة التي يجب أن يكنّ عليها. وبطبيعة الحال، يرفض الرجل الزواج من امرأة طباعها قاسية".

اقرأ أيضاً: أم أحمد في شوارع القاهرة
المساهمون