علاج الإدمان "سبوبة" في مصر

08 يناير 2017
أين يتلقّى علاجه؟ (العربي الجديد)
+ الخط -

في حين تكثر أعداد مدمني المخدّرات في مصر، يُلحظ تزايد في المراكز التي تدّعي تقديم العلاج لهم، غير أنها تفتقر إلى المهنيّة والتخصّص، بالتالي تضرّ بالمرضى الذين يقصدونها.

انتشرت خلال الفترة الأخيرة مراكز كثيرة غير مرخّصة لعلاج الإدمان في مصر. وتكاد لا تخلو محافظة مصرية من تلك المراكز التي تُعدّ "سبوبة" لأصحابها، إذ إنّ ضحايا المواد المخدّرة والمشروبات الكحولية الذين يلجأون إليها كثر، أملاً في علاج وشفاء من الإدمان. فهي تكون غالباً أرخص في السعر بالمقارنة مع المراكز المرخّصة. يُذكر أنّ إعلانات تلك المراكز التي تنتشر في وسائل الإعلام كثيرة، مقروءة ومسموعة ومرئية، وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما "فيسبوك" و"تويتر"، وفي عدد كبير من الشوارع، خصوصاً الرئيسية والمهمة.

تضمّ محافظات القاهرة الكبرى، القاهرة والجيزة والقليوبية، النسبة الأكبر من تلك المراكز بالمقارنة مع المحافظات الأخرى. وتتركّز في الأحياء الراقية مثل المعادي الجديدة والمهندسين والدقي والتجمع الخامس في القاهرة الجديدة و6 أكتوبر وحدائق الأهرام والمقطّم ومدينة نصر، حيث يقدّم العاملون في تلك المراكز إغراءات للمدمن أو أسرته، من خلال الإقامة وتقديم العلاج والطعام. أمّا المقابل المادي فيتراوح ما بين 10 و15 ألف جنيه مصري (نحو 540 - 800 دولار أميركي) شهرياً، في حين تتقاضى المستشفيات الخاصة الكبرى المرخّصة مبلغاً يتراوح ما بين 25 و90 ألف جنيه (نحو 1400 - 4800 دولار).

لكنّ أطباء متخصصين في علاج الإدمان في مصر يكشفون أنّ مراكز كثيرة من تلك غير المرخّصة، أصحابها إمّا متعافون من الإدمان أو مدمنون، وهم ليسوا أطباءً. ويلفت الطبيب محمد علي سليمان إلى أنّ "علاج المدمن في تلك المراكز هو الضرب أو حبس المريض في حجرة انفرادية كنوع من التأديب. وهو ما يؤدّي إلى إصابة عدد كبير من المرضى بمشاكل صحية خطيرة، ومنها الشلل". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "ثمّة مراكز تزوّد المريض بأدوية تجعله يغيب عن الوعي، وتصيبه بتشنجات وتخشب. فالقيّمون عليها غير متخصصين في علاج المدمنين".

ويطالب سليمان الأجهزة الحكومية "بالضرب بيد من حديد لوضع حدّ لتلك المراكز التي تزايدت عقب ثورة 25 يناير، في ظلّ حالة الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد على كلّ الصعد"، محذّراً من "خطورة تلك المراكز التي تخلّف يومياً ضحايا بين المدمنين. فيكون مصير هؤلاء إمّا الموت أو الإصابة بأمراض أخرى خطيرة تهدّد حياتهم بالموت المفاجئ أحياناً". ويعيد سليمان سبب انتشار تلك المراكز إلى "أسباب عدّة، من بينها زيادة عدد المدمنين في مصر. فقد تجاوز الأربعة ملايين مواطن، معظمهم من الشباب والشابات". إلى ذلك، يتحدّث عن "قلة المستشفيات الحكومية المختصة في المحافظات، فهي دون العشرة. يُضاف إليها الارتفاع الكبير في أسعار المستشفيات الخاصة الكبيرة المرخّصة، التي لا يستطيع تحمّلها سوى المقتدرين والأغنياء فقط". ويشدّد سليمان على أنّ "مشكلة الإدمان في مصر قضية أمن قومي".




في هذا السياق، التقت "العربي الجديد" عبد الراضي إبراهيم، أحد المدمنين الذي دخل مركزاً غير مرخّص. هو في العقد الخامس من عمره ويعمل مدرساً في محافظة الأقصر. يخبر: "أدمنت المواد المخدّرة بكلّ أنواعها، وتلقّيت تهديداً بالفصل من عملي بسبب كثرة الغياب وطلب الإجازات. لكنّ أحد الأصدقاء نصحني بالعلاج في مركز للإدمان في سوهاج". يضيف: "وبالفعل قصدت المركز الذي لا يحمل أيّ اسم. هناك، وجدت أشخاصاً مقيّدين بالحبال على الأسرّة أو على الأرض. هالني ما رأيته، فهربت وقصدت مركزاً آخر، هو شقّة مساحتها 100 متر في الطبقة الأولى من أحد المباني. وبدأت مأساتي هناك بعدما زوّدوني بأدوية، شعرت بأنّها تمزّق أحشائي. طلبت مساعدة من المشرفين، إلا أنّهم اكتفوا بتقييدي حتى أكفّ عن الشكوى. وهو ما أدّى إلى إصابتي بجدع في يدي". بالتالي، اتخذ قراره بعدم إكمال العلاج، بعدما دفع 10 آلاف جنيه (نحو 540 دولاراً).

من جهته، يقول شاب التقته "العربي الجديد" رفض الكشف عن هويّته، إنّه التحق بواحد من تلك المراكز التي يُطلَق عليها "مراكز بير السلم". ويروي: "في البداية، أعطوني حقنة بحجة سحب المخدّر من الجسم، أدّت إلى إصابة في الكليتين. فكّرت في الهرب، فكان الضرب هو العقاب". يضيف: "طلبت من أحد الأصدقاء مساعدتي على الخروج لتلقّي العلاج لدى طبيب متخصص في عيادته الخاصة"، واصفاً تلك المراكز بأنّها "مجازر، سواء من خلال الضرب أو الاستيلاء على أموال المتعاطين".

إلى ذلك، عاد شاب ثلاثينيّ أخيراً من إحدى دول الخليج، حيث كان يعمل في مركز متخصص في علاج الإدمان، وقرّر تطبيق الفكرة في القاهرة. يقول لـ "العربي الجديد": "اشتريت شقة في منطقة المقطّم، مساحتها 150 متراً مربعاً، لكنّني عانيت من صعوبة الإجراءات الخاصة بالتراخيص". ويوضح أنّ "ثمّة ثلاث جهات مسؤولة عن ترخيص تلك المراكز في مصر، وهي نقابة الأطباء ووزارة الصحة والسكان والمجلس القومي للصحة النفسية"، من دون أن ينسى الإشارة إلى "الرشى التي تقدّم قبل الترخيص وأثناء العمل".

يضيف الثلاثينيّ الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أنّ في مركزه "عدداً من الاستشاريين والاختصاصيين والأطباء إلى جانب طاقم تمريض"، مشدداً على أنّه وجّه تعليمات حازمة لإدارة المركز تقضي بمعاملة المرضى معاملة حسنة. وإذ يشير إلى أنّ "مدمنين كثيرين يترددون على المركز باستمرار"، يقول إنّ "المشكلة الكبرى التي تواجهنا اليوم هي ارتفاع سعر أدوية علاج الإدمان. وأهالي المرضى يلجأون إلى تلك المراكز بسبب سوء حالتهم المادية، أو عدم توفّر المعلومات اللازمة عن المركز الذي يلجأون إليه لعلاج أقربائهم". ويتابع أنّ "هؤلاء يتعرّضون للتضليل من قبل القائمين على تلك المراكز، إذ يدّعون أنّها مرخّص ويشرف عليها أطباء نفسيون مشهورون".

وهنا، يقرّ مسؤول في صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي في وزارة الصحة بخطر تلك المراكز غير المرخّصة التي تعالج الإدمان في مصر، مشيراً إلى أنّ "تزايدها يأتي نتيجة زيادة عدد المدمنين ومتعاطي المواد المخدّرة في مصر". ويوضح المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويّته، أنّ نسبة الإدمان في مصر ضخمة جداً بالمقارنة مع دول عربية وأجنبية. يضيف أنّ "تلك المراكز تفتقر إلى كلّ وسائل الأمان، فهي سبوبة لكثيرين من القائمين عليها". ويفيد المسؤول نفسه بأنّ "قانون الصحة النفسية ينصّ على ضرورة وضع آليات تنظيمية لعمل المستشفيات الخاصة ومراكز علاج الإدمان، من خلال إخضاعها إلى إشراف كامل من قبل وزارة الصحة والمجلس القومي للصحة النفسية". ويشدّد على "ضرورة أن يعمل فيها أطباء وممرضون وفريق علاجي كامل ومتخصص. فلا يجوز قانوناً أن يعالج مدمن مدمنين آخرين في أماكن غير مرخّصة، وانتشار تلك المراكز يؤكد غياب القانون التام". ويشدّد على أنّ "المدمنين في تلك المراكز غير المرخّصة يتلقّون معاملة مهينة، ويزوّدون بأدوية خطيرة تتسبب بأمراض عدّة، منها الجلطة".

دلالات
المساهمون